نخبة بوست -نضال أبوزيد
في ظل الصمود الأسطوري الذي حققته المقاومة في قطاع غزة، وبعد انتهاء ثمانية أشهر من القتال ودخول العمليات العسكرية شهرها التاسع، وصفت بعض الأوساط المراقبة والمتابعة العسكرية والسياسية المواجهة بأنها أسطورية وتشبه إلى حد بعيد ما قدمه الـ”فيت كونغ” في حرب فيتنام من تضحيات. في واقع جغرافي جسد تشابهاً كبيراً بين غزة وفيتنام، خاصة في تكتيك الـ”كوتشي”، وهو مصطلح كان يطلق على الأنفاق عند المقاتلين الفيتناميين أو ما يعرف بـ”فيت كونغ”، وهو نفس المصطلح المستخدم عند المقاتلين في غزة.
تشابه في القتال وتناقض في الايديولوجية بين فيتنام وغزة
ثمة تشابه في وجه القتال وثمة أيضًا تناقض في الأيديولوجية بين فيتنام وغزة، إلا أن كلا الطرفين يلتقيان في أنهما حركات تحرر وطني قاتلت محتلاً لاستعادة الأرض والكرامة. حاولت الولايات المتحدة الأمريكية حرق فيتنام لإجبارها على القبول بشروط التفاوض الأمريكي، وبلغت ذروة الإجرام الأمريكي حين جلس وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر يتفاوض مع الـ”فيت كونغ”، الذين رفضوا كل الشروط الأمريكية وتمسكوا بشرط واحد وهو الانسحاب من فيتنام ومنع تقسيم البلاد بين شمالي وجنوبي.
هناك مشهد مشابه في غزة، سواء في البعد السياسي أو البعد الميداني، حيث نشأت معادلة سياسية وميدانية تتمثل في أنه كلما اقتربت المفاوضات، زادت وتيرة الإجرام والقصف والتدمير من قِبَل الاحتلال لإجبار المقاومة على القبول بالأمر الواقع. لكن ما يحدث هو العكس، حيث لا تزال المقاومة تتمسك بشروطها، كما تمسك بها الـ”فيت كونغ” سابقًا في فيتنام. بل على العكس، كلما أوغل الاحتلال في التدمير والقتل، زادت تصلب المقاومة في موقفها وأوقعت خسائر أكبر في قوات الاحتلال. ومشهد جباليا شاهد على ذلك، حيث ابتعد الاحتلال عن تحقيق الأهداف التي وضعها المستوى السياسي، وأصبح يقترب من تكتيك الانتقام بدلًا من تحقيق الأهداف.
صورتا “كيم فوك” و”هند” في الذاكرة الإنسانية
خُلِدت صورة كيم فوك التي كانت تبلغ من العمر 9 سنوات كوجه مأساوي لحرب فيتنام، عندما ركضت عارية تجاه مصور وهي تصرخ من الألم “حار جدًا، حار جدًا” بعد أن غمرها سلاح النابالم خلال اجتياح الجنود الأمريكيين لمنطقة ترانج بانج في جنوب فيتنام.
بالرغم من أن صورة “كيم فوك” تبقى الصورة المؤلمة التي لا تُنسى والتي التقطها مصور أسوشيتد برس حينها، إلا أن صور (هند) غزة، الطفلة التي قتلها الاحتلال بدم بارد، تبقى خالدة في ذاكرة الإنسانية لتعكس نفس الواقع الإجرامي الذي حدث في فيتنام. ويبقى السؤال الأعمق بعد هذا التشابه في الواقع والمأمول بين غزة وفيتنام: هل يمكن بعد كل خسائر جيش الاحتلال في غزة أن نشاهد نفس الصورة للمروحية الأمريكية التي أجلت آخر الأمريكيين الموجودين في سايغون بنفس النمطية في غزة؟ لتؤكد أكثر على أنه في كل حركات التحرر الوطني، فإن الجيوش النظامية إذا لم تكسب فيها تخسر، وأن حركات التحرر الوطني إذا لم تخسر فيها تكسب.
اكتشاف المزيد من نخبة بوست
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.