*العياصرة: علاقة الإخوان المسلمين بالنظام السوري شهدت تقلبات تاريخية مرتبطة بالواقع السياسي وتطورات الأحداث
*مدانات: تنظيم الإخوان المسلمين يتميز ببراجماتية شديدة في التعامل مع الدول والأنظمة؛ والنظام السوري لجأ إلى سياسة حازمة تصل إلى العنف الشديد
نخبة بوست – رولا أبو رمان؛ شذى العودات
تُعد العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام السوري واحدة من أبرز القضايا السياسية التي شهدت تقلبات عميقة على مدى العقود الماضية، حيث انعكست هذه العلاقة بشكل مباشر على الساحة السياسية والاجتماعية السورية.
فمنذ تأسيس الجماعة في سوريا خلال النصف الأول من القرن العشرين، اتسمت العلاقة بينها وبين النظام الحاكم بطابع متوتر، تفاقم مع وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963، وتحديدًا خلال فترة حكم الرئيس حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار الأسد.
ومع وصول الرئيس حافظ الأسد إلى السلطة في عام 1971، بدأت العلاقة بين الطرفين تأخذ منحى تصعيديًا، تصاعدت حدته في الثمانينات وتحديداً في العام 1982 مع مجزرة حماة، التي مثّلت واحدة من أكثر اللحظات دموية في التاريخ الحديث، ووضعت حدًا لوجود الجماعة داخل سوريا لعقود طويلة.

وفي آخر أيام الأسد الأب وبداية عهد الأسد الإبن حتى نهاية حرب تموز 2006 بين حزب الله وإسرائيل كانت جماعة “الإخوان” في سوريا تمثل النظام المقاوم “البطل”.
ومع بداية الربيع العربي في عام 2011؛ عاد ملف العلاقة بين الطرفين إلى الواجهة مجددًا، حيث سارع النظام السوري إلى اتهام الجماعة بالوقوف وراء الاحتجاجات، رغم غيابها الفعلي عن المشهد السوري منذ عقود؛ هذه التطورات أعادت تأكيد عمق العداء بين الطرفين، حيث اتخذت الجماعة موقفًا مؤيدًا للثورة السورية، بينما أصر النظام على التمسك بنهجه “القمعي”.
وضمن سلسلة تذبذب أو ما يسمى بـ“فصام” العلاقات بين الطرفين؛ ساد الصمت بين النظام السوري و”الإخوان” خلال عامي 2016 و 2017 ولم يعد أحد يذكر الجماعة سلباً أو إيجاباً.
في هذه الأثناء؛ شهدت العلاقة بين الطرفين بعض فترات الهدوء النسبي أو محاولات للتقارب، خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية؛ لكن هذه المحاولات غالبًا ما باءت بالفشل، لتبقى العلاقة محكومة بالتوتر، ومتأرجحة بين الصراع المكشوف والمهادنة الظرفية.
ففي 8 ديسمبر 2024، شهدت معركة “ردع العدوان” بقيادة زعيم فصائل المعارضة، أبو محمد الجولاني، إسقاط نظام الأسد، لتشكل بداية حقبة جديدة في البلاد
وفي هذا المحور، يُطرح التساؤل حول العوامل التي أسهمت في تذبذب هذه العلاقة عبر نحو نصف قرن من الزمان؟ وهل يمكن اعتبار هذا التذبذب انعكاسًا للصراعات الأيديولوجية فقط، أم أنه يرتبط أيضًا بحسابات سياسية وإقليمية معقدة؟
العياصرة: العلاقة بين الإخوان المسلمين والنظام السوري بين عداء أيديولوجي وصراع سياسي ممتد
وفي هذا الصدد؛ قال القيادي الإسلامي الدكتور رامي العياصرة ، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، إن علاقة جماعة الإخوان المسلمين بالنظام السوري شهدت تقلبات تاريخية، موضحًا أن هذه التقلبات ليست نابعة من تغيرات أيديولوجية أو مواقف مبدئية، بل ارتبطت بالواقع السياسي وتطورات الأحداث عبر عقود من الزمن.
هذا الأمر يُعد طبيعيًا، خاصة في علاقة مع نظام سياسي بدولة مهمة في المشرق العربي مثل سوريا
وأضاف أن فكر جماعة الإخوان المسلمين يتناقض بشكل واضح مع الفكر البعثي، مشيرًا إلى أن نظام بشار الأسد يرتكز على فكر البعث، مما يجعل المسألة ليست مرتبطة ابتداءً بعائلة الأسد نفسها، بل بحزب البعث والأيديولوجيا التي أسست عليها الأسرة الأسدية حكمها في سوريا.

وأوضح العياصرة أن التناقض بين الفكر القومي الاشتراكي والفكر الإسلامي للإخوان المسلمين أدى إلى توتر العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين المنتشرة في سوريا، وخاصة في حلب وحماة، وبين نظام الأسد بعد وصوله إلى السلطة في عام 1971.
هذا التوتر بلغ ذروته بالمجزرة التاريخية التي ارتكبها حافظ الأسد في حماة، حيث قتل عشرات الآلاف خلال أيام قليلة، في واحدة من أبشع الجرائم في العصر الحديث التي يرتكبها حاكم عربي بحق شعبه
وبيّن أن هذه الأحداث أدت إلى إنهاء وجود جماعة الإخوان المسلمين داخل سوريا، وفرار أعضائها إلى دول عربية أخرى، وخاصة الأردن والسعودية.
وبحسب العياصرة؛ هذه الحالة ساهمت في اتخاذ موقف معارض للنظام السوري استمر لسنوات؛ لاسيما وأن الجرائم والقتل لم تكن محصورة فقط في العلاقة بين حافظ الأسد وجماعة الإخوان المسلمين، مستشهدًا بإصدار قانون عام 1982 يُجرّم الإخوان المسلمين ويُعاقب بالإعدام كل من يدعمهم.

ولفت إلى أن المشكلة لم تنته عند هذا الحد، حيث استمر النهج القمعي للنظام السوري تجاه الشعب ككل، وهو النهج الذي ورثه بشار الأسد عن والده، مما جعل المشكلة أعمق من كونها مجرد خلاف بين النظام والجماعة.
النظام السوري، منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة، أسس نظامًا أمنيًا قمعيًا يعتمد على القتل والإجرام لإسكات الشعب وتخويفه؛ مما أدت هذه السياسات إلى معاناة إنسانية مروعة وأوضاع مزرية، طالت حتى الشخصيات العربية التي كانت تُعتقل في سجون النظام
وذكر إن هناك محاولات متكررة، بين فترة وأخرى، عبر وساطات دولية أو شخصيات سياسية عربية أو ذات رمزية دينية، لإصلاح العلاقة بين النظام السوري وجماعة الإخوان المسلمين؛ لكنها دائمًا ما كانت تصطدم برفض نظام بشار الأسد، الذي لا يؤمن بتقديم تنازلات.
وشرح أن النظام السوري كان يرسل أحيانًا رسائل إيجابية، لكنها كانت محدودة وموجهة فقط لتخفيف الضغط الداخلي أو الخارجي، دون نية حقيقية للإصلاح؛ مضيفاً بأن هذه الرسائل كانت تهدف إلى تضليل الأطراف التي حاولت التوسط لإعادة العلاقة، لكنها لم تؤدِ إلى أي تغير حقيقي في موقف النظام، الذي ظل معاديًا لجماعة الإخوان المسلمين.
ونوه العياصرة إلى أن العداء بين الطرفين ظهر بوضوح مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث سارع بشار الأسد إلى اتهام الإخوان المسلمين بالوقوف وراء الاحتجاجات، رغم أن الجماعة لم تكن موجودة فعليًا في سوريا منذ أوائل الثمانينات.

العداء بين الطرفين ظهر بوضوح مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث سارع بشار الأسد إلى اتهام الإخوان المسلمين بالوقوف وراء الاحتجاجات، رغم أن الجماعة لم تكن موجودة فعليًا في سوريا منذ أوائل الثمانينات
وأكد أن النظام السوري سعى دائمًا إلى الظهور كجزء من محور الممانعة، خاصة في ظل عدائه لجماعة الإخوان المسلمين. وقال إن تقارب النظام مع حركة حماس واستضافته لمكاتبها في دمشق لم يكن نابعا من قناعة ذاتية، بل نتيجة التحالفات التي بناها النظام مع إيران وحزب الله كجزء من محور الممانعة.
وأفاد أن حركة حماس تسعى دائمًا للاستفادة من أي دولة تقدم لها الدعم، مثل نظام بشار الأسد، لكنها رفضت أن تُستخدم كأداة لدعم النظام في قمع شعبه خلال ثورات الربيع العربي؛ موضحاً بأن الحركة اختارت الانحياز لحقوق الشعوب في الحرية والديمقراطية، رغم محاولتها في البداية اتخاذ موقف الحياد.
بشار الأسد أصر على إعلان موقف واضح لدعم نظامه، مما دفع حماس إلى مغادرة دمشق والتوجه إلى الدوحة
وبيّن أن موقف حماس ليس انقلابًا على نظام الأسد الذي استضافها، بل انسجام مع المبادئ الأصيلة لحركات التحرر، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين.

وشدد العياصرة على إن العلاقة بين الإخوان المسلمين والنظام السوري لم تتغير بشكل جوهري، سواء قبل دخول حماس إلى دمشق أو بعد خروجها، مؤكدًا أن الجماعة ترحب بسقوط نظام بشار الأسد، انطلاقًا من إيمانها بأن إرادة الشعوب هي الأبقى، وأن الشعوب دائمًا ما تنتصر على الأنظمة القمعية.
واختتم حديثه بالإشارة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تميل دائمًا إلى المرونة في العمل السياسي، وتسعى إلى احتواء النزاعات عبر الحلول السلمية والإصلاحية. وأكد أن الأنظمة التي لا تقدم تنازلات ولا تظهر مرونة كافية تواجه مصير الزوال، مشيرًا إلى أن هذه هي سنة الحياة التي لا يمكن تجاوزها.
المدانات: العلاقة بين الإخوان المسلمين والنظام السوري تاريخ معقد من التوتر والصدام
من جهته؛ أكد المحلل السياسي شادي المدانات ، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، أن العلاقة بين الإخوان المسلمين والنظام السوري تتسم بالتعقيد، حيث شهدت مراحل من التعاون والصدامات الدامية.
وقال المدانات إن تحليل هذه العلاقة يتطلب تفكيكًا معمقًا لفهم طبيعة الطرفين، مشيرًا إلى أن تنظيم الإخوان المسلمين يتميز ببراجماتية شديدة في التعامل مع الدول والأنظمة، وأن النظام السوري بدوره يتبع سياسة حازمة تصل إلى العنف الشديد مع خصومه.

الخلافات بين الإخوان المسلمين والنظام السوري تعود إلى أحداث الثمانينات، التي كانت ذروتها في حادثة مذبحة الضباط في الكلية الحربية بمدينة حماة
وأشار إلى أن الإخوان المسلمين استهدفوا عددًا كبيرًا من الضباط، مما دفع النظام السوري للرد بعنف كبير يتناسب مع سياسته في القضاء على الخصوم. وأضاف أن هذا النهج لم يكن مقتصرًا على سوريا فقط، بل كان سمة مميزة لأنظمة حزب البعث في كل من سوريا والعراق، حيث اشتهرت هذه الأنظمة بعدم التسامح مع أي معارضة سواء داخلية أو خارجية، حتى بين أعضاء الحزب أنفسهم.
وأضاف المدانات أن النظام السوري تعرض لضغوط دولية هائلة عقب سقوط بغداد عام 2003، عندما طالبت الولايات المتحدة الرئيس بشار الأسد بقطع العلاقات مع حزب الله وحماس والفصائل الفلسطينية.

هذه المطالب تضمنت طرد هذه الفصائل من سوريا كشرط لتجنب أي تصعيد عسكري ضد دمشق؛ فـالأسد رفض هذه المطالب بشكل قاطع، مؤكدًا أن هذه الفصائل تنتمي إلى أرضها، ودعا إلى منحها دولة للعودة إليها
وتابع المدانات أن هذا الموقف دفع قيادات مثل خالد مشعل للإشادة بالأسد، واصفًا إياه بأنه صمد أمام ضغوط دولية ثقيلة للغاية.
ومع ذلك، تغيرت العلاقة بين الإخوان المسلمين والنظام السوري بعد اندلاع ما يسمى بـ“الربيع العربي”، حيث انقلبت حماس والإخوان على النظام السوري بشكل واضح.

هذا الانقلاب ينسجم مع طبيعة تنظيم الإخوان المسلمين، الذي يتبع سياسات تعتمد على البراجماتية المتطرفة التي تتيح لهم تغيير تحالفاتهم واستراتيجياتهم بما يخدم مصالحهم
وأشار المدانات إلى أن تجربة الإخوان المسلمين ليست مقتصرة على سوريا، بل شملت دولًا أخرى مثل مصر وتونس.
ففي مصر، بعد وصول الإخوان إلى السلطة، أظهروا استعدادًا للتعاون مع أطراف دولية كانت تعتبر خصمًا، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل
ولفت إلى استقبال الرئيس المصري الراحل محمد مرسي وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون بحفاوة، وإرسال رسائل رسمية ودية إلى إسرائيل.

أما في تونس، فقد انتقد المدانات مواقف حركة النهضة التي يقودها راشد الغنوشي، خاصة تلك التي تضمنت تنازلات عن القضايا القومية مثل القضية الفلسطينية.
وأشار إلى تصريحات الغنوشي التي أعلن فيها أن القضية الفلسطينية تخص الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن تونس ملتزمة بالاقتصاد الحر والخصخصة، مما أثار انتقادات واسعة من الإخوان المسلمين في الأردن آنذاك.
الإخوان المسلمين أظهروا توجهات إقصائية في كل من مصر وتونس، حيث كانوا يتعاملون مع خصومهم بحدية كبيرة، مستغلين مواقع القوة للسيطرة على الدولة وفرض سياساتهم
وذكر المدانات أن هذا النهج ليس جديدًا، بل عايشه شخصيًا في تجربته مع الإخوان خلال عمله في اتحاد الطلبة في جامعة مؤتة، وكذلك في النقابات المهنية في الأردن، حيث وصفهم بأنهم تنظيم إقصائي يرفض أي معارضة، ويتبع أساليب تصل أحيانًا إلى محو الخصوم بشكل كامل.
وأضاف المدانات أن الجيش المصري لعب دورًا حاسمًا في إفشال محاولات الإخوان للسيطرة الكاملة على الدولة، مشيرًا إلى أن الجيش تدخل عندما أدرك أن سياسات الإخوان تهدد بتحويل مصر إلى ساحة حرب أهلية؛ مؤكداً على أن الجيش المصري يتميز بخصوصية واستقلالية عن النظام، مما مكنه من الحفاظ على تماسكه خلال الفترات الحرجة.

واختتم المدانات حديثه بالإشارة إلى أن تنظيم الإخوان المسلمين يعتمد على البراجماتية الشديدة مع حلفائه وخصومه. فعندما يكون خارج السلطة، يظهر مرونة شديدة مع الأطراف الأخرى، ولكنه يتعامل بصرامة وقسوة مع خصومه عند امتلاكه القوة.
هذه البراجماتية تجعل الإخوان تنظيمًا يصعب التعامل معه بثقة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي
هل ستكتب جماعة الاخوان في سوريا فصولاً جديدة بعد سقوط الأسد؟!
اليوم؛ وفي ظل الحديث الراهن حول مستقبل سوريا في مرحلة ما بعد الأسد، تبرز تساؤلات حول دور جماعة الإخوان المسلمين في صياغة المشهد السياسي القادم؛ فمع التغيرات الإقليمية والدولية، واستمرار الجماعة في الترويج لنفسها كجزء من المعارضة السورية.
ويبقى السؤال الأبرز؛ هل ستتمكن الجماعة من إعادة تموضعها كلاعب رئيسي في سوريا الجديدة، أم أن الإرث الثقيل من الصراع والعداء سيبقى عائقًا أمام دورها في مستقبل البلاد؟