* داودية: الأزمة السورية وصلت إلى مرحلة انفجار حقيقي يهدد الاستقرار والاستمرار؛ والنظام السوري لم يتمكن من تحقيق الاستقرار على مدار عقود
* البراري: الصراع لم يعد في سوريا؛ بل على سوريا؛ ومستقبل البلاد لا يزال غامضًا في ظل انهيار النظام السوري
* الرنتاوي: سوريا ودعت الأسد لكنها لم تستقبل البديل بعد؛ والبلاد تواجه واقعاً صعباً يتطلب قراءة دقيقة للتطورات الإقليمية والدولية المؤثرة في أزمتها
نخبة بوست – شذى العودات
شهدت سوريا فجر اليوم الأحد، سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد رسميا، بإعلان الفصائل المسلحة وكذلك رئيس الحكومة السورية محمد الجلالي؛ وقال مصدران بالفصائل إنه سيتم بث أول بيان إلى الشعب السوري على شاشة التلفزيون الرسمي.
وقال رئيس الوزراء محمد غازي الجلالي إنه سيظل في منزله، ومستعد لدعم استمرار تصريف شؤون الدولة.
من جانبه؛ قال أحمد الشرع زعيم “هيئة تحرير الشام”، التي تقود هجوم الفصائل الشامل في سوريا اليوم الأحد إن الاقتراب من المؤسسات العامة محظور، مضيفا أنها ستظل تحت إشراف “رئيس الوزراء السابق” لحين تسليمها رسميا.
وقال الشرع في بيان على تطبيق “تليغرام”: “إلى كافة القوات العسكرية في مدينة دمشق، يُمنع منعا باتا الاقتراب من المؤسسات العامة، والتي ستظل تحت إشراف رئيس الوزراء السابق حتى يتم تسليمها رسميا، كما يُمنع إطلاق الرصاص في الهواء”.
سوريا ومرحلة مابعد الاسد .. إلى أين ؟
اليوم؛ وبعد نحو نصف قرن من حكم عائلة الأسد لسوريا، تستعد سوريا لمرحلة “ما بعد الأسد”، حيث انتهت حقبة طويلة من سيطرة عائلة الأسد وحكم حزب البعث للبلاد.
ومع ذلك، فإن البديل ليس واضحًا بعد، إذ تتراوح السيناريوهات بين تقسيم البلاد إلى كيانات متناحرة أو تقاسم النفوذ بين قوى إقليمية ودولية في إطار وحدة شكلية لكنها محكومة بمراكز قوى متعددة.

وفي ظل هذه التعقيدات، تواصل الأطراف الدولية والإقليمية لعب أدوارها، حيث يبرز مشهد من التقاطع بين المصالح الاستراتيجية والتحركات الميدانية؛ فالهجوم من فصائل المعارضة الأخير في الشمال الغربي وسيطرتها على مواقع استراتيجية كقاعدة الفوج 46 أثار موجة من التصعيد، تبعتها غارات مكثفة من النظام السوري وحلفائه.
وفي تطور إضافي، أثار مقتل مسؤول عسكري إيراني بارز خلال المعارك تساؤلات حول مسار التصعيد وأبعاده الإقليمية؛ وهنا يبرز السؤال الملح: هل يمكن لسوريا أن تنجو من هذه المرحلة الدقيقة لتصل إلى تسوية تضمن لها الاستقرار، أم أنها تتجه نحو مزيد من الانقسام والتشظي؟
داودية: لا استقرار ولا استمرار؛ هذا انفجار الحقيقة
وفي هذا الصدد، قال العين محمد داودية، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، أن الأزمة السورية وصلت إلى مرحلة انفجار حقيقي يهدد الاستقرار والاستمرار على حد سواء. وقال: “ما نراه اليوم ليس مجرد أزمة، بل انفجار الحقيقة.
وأضاف بأننا كنا بين خيارين كلاهما مر؛ الأول هو استمرار هذا النظام الدموي الذي أمعن في ذبح السوريين من أجل التشبث بالسلطة، متجاهلاً كل الدعوات المخلصة التي وجهها جلالة الملك عبد الله الثاني، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمجتمع الدولي، لإجراء إصلاحات حقيقية وتحقيق مصالحة وطنية، تعيد اللاجئين الذين تشردوا في أنحاء العالم.

وأكمل داودية أن الخيار الثاني كان صعود الجماعات الإرهابية التي تملأ الساحة السورية وتدعي أنها حركات ثورية، بينما هي في الحقيقة جزء من الكارثة التي يعاني منها الشعب السوري منذ عام 1970.
لقد أُنهكت مقدرات الشعب السوري، وأُفقِر إلى مستويات غير مسبوقة، نتيجة سياسات النظام التي دمرت البلاد
النظام السوري فشل في تحقيق الاستقرار
وأشار داودية إلى أن النظام السوري لم يتمكن من تحقيق الاستقرار على مدار عقود؛مبيناً بأنه ورغم استخدامه للعنف المفرط، بما في ذلك البراميل المتفجرة التي ألقاها على شعبه، لم يتمكن هذا النظام من تحقيق الاستقرار أو الأمن.
واعتبر داودية أن هذه رسالة لكل الطغاة والمستبدين بأن القمع والذبح لا يجلبان إلا الدمار، وهذا ما نراه واضحاً في الحالة السورية؛ موضحا أن هذا تسبب بزوال نظام الأسد.

وتحدث داودية عن الدور الأردني في مواجهة تبعات الأزمة السورية؛ مؤكداً على أن الأردن يواجه تحديات كبيرة على حدوده نتيجة التطرف والجماعات المسلحة.
إمكاناتنا الدفاعية قوية، وجيشنا مستعد، وشعبنا يقف خلف جلالة الملك عبد الله الثاني ككتلة صلبة؛ لكننا أيضاً نتحسب لتدفق مزيد من اللاجئين السوريين، خاصة من مناطق الجنوب السوري مثل درعا والسويداء، التي من المتوقع أن تشهد مشكلات كبيرة
واختتم داودية حديثه بأنه يأمل أن يتمكن الشعب السوري من تجاوز هذه المرحلة الحرجة، وأن ينتقل إلى مجتمع مدني يُبنى على أسس السلام والاستقرار، بدلاً من النظام الطغياني أو حالة الثورة الدائمة؛ فهذه الأزمة تتطلب حكمة وتكاتفاً دولياً لإنقاذ سوريا وشعبها.
البراري: سوريا بين الدمار والاستقرار؛ فالقوى الخارجية هي الحَكَم
ومن جهته، أشار المحلل السياسي الدكتور حسن البراري، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، إلى أن مستقبل سوريا لا يزال غامضًا، في ظل انهيار النظام السوري.
وتحدث البراري عن أن مستقبل سوريا بين الاستقرار أو الدمار مرهون بإرادة الدول المتصارعة عليها، موضحًا أن الصراع لم يعد داخل سوريا، بل تحول إلى صراع على سوريا، حيث أصبحت القوى الخارجية هي التي سترسم خارطة التقسيم أو الاستقرار في البلاد.
الوضع الحالي يستدعي ترقبًا لما يمكن أن تؤول إليه الأدوار الإقليمية المختلفة
وأوضح البراري أن إسرائيل ترى في الأحداث التي تجري داخل سوريا فرصة تخدم مصالحها الاستراتيجية، خصوصًا أنها تعمل على فصل لبنان عن إيران، وهو أحد الأهداف المهمة الذي يتحقق بطريقة غير مباشرة ومن خلال أطراف أخرى غير إسرائيلية.

ومع ذلك، عبّر عن خشية إسرائيل من عدم الاستقرار في سوريا، لأنه قد يفتح المجال لتهديدات جديدة ليست بحاجة إلى مواجهتها.
وتساءل البراري عن مدى التزام إيران بدعمها للأسد، مشيرًا إلى أن بقاء الأسد في الحكم ليس أمرًا محسومًا.
وأكد البراري أن سوريا تعيش حالة من الدمار الشامل، حيث أن المناطق التي شهدت حروبًا خلال أكثر من ثلاثة عشر عامًا تحولت إلى خراب؛ مشيراً إلى أن الاقتصاد السوري في حالة تدهور وانكماش حاد، وغالبية السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بين نازحين أو لاجئين، مما يعكس وصفة واضحة للدمار.
هذا الوضع يمثل كارثة وطنية؛ لكن الأمر ليس ميؤوسًا منه بالكامل
وأوضح البراري أن هناك فرصة للتوصل إلى حل سياسي يلبي الحد الأدنى من مصالح الأطراف المتصارعة، لكنه أشار إلى أن الاتجاه العام يبدو متجهًا نحو معركة كسر عظم، حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق مكاسب على حساب الطرف الآخر.

وأكمل أن تركيا، على سبيل المثال، لا يمكن أن تخسر هذه المواجهة، بينما قد تجد إيران نفسها مضطرة للتكيف مع نتائج هذه التطورات.
واختتم البراري حديثه بالتأكيد على أن مستقبل سوريا يعتمد بشكل كبير على تطورات الأدوار الإقليمية والدولية، وعلى قدرة الأطراف المتنازعة على تقديم تنازلات تقود إلى حل شامل ينهي حالة الانهيار المتفاقمة في البلاد.
الرنتاوي: التقسيم أو تقاسم النفوذ؛ هذه خيارات سوريا المستقبلية
وفي الإطار ذاته، قال الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، أن سوريا لا تواجه خيارين فقط كما يبدو للوهلة الأولى، مشيراً إلى أن البلاد ودعت حقبة امتدت لأكثر من 50 عاماً من سيطرة عائلة الأسد على الحكم، وإنهاء أكثر من ستة عقود من حكم حزب البعث.
سوريا تمر الآن بمرحلة غير مسبوقة منذ اندلاع الأزمة، حيث باتت ضمن ما يمكن تسميته بـ“ما بعد بشار”
وأوضح أن سوريا تتجه نحو خيارين رئيسيين، الأول هو التقسيم بمعنى تفتيت البلاد إلى كيانات مجزأة صغيرة، في سياق ترجمة لما سماه “حلف الأقليات”، الذي طالما رُوّج له من قبل بعض رموز التيار اليميني الفاشي في إسرائيل.

وأما الخيار الثاني، بحسب الرنتاوي، فهو تقاسم النفوذ داخل دولة واحدة موحدة شكلياً، لكنها عملياً ستكون خاضعة لنفوذ قوى إقليمية ودولية وأطراف داخلية، وهو سيناريو شبيه بالوضع الحالي في لبنان والعراق.
وتحدث الرنتاوي عن سيناريو التقسيم الواقعي الذي يُذكر بحالات اليمن وليبيا، مشيراً إلى أن سوريا قد تكون مقبلة على خيارات صعبة، ليس من بينها الاستقرار الوشيك، لكن في الوقت نفسه، ليس من بينها الدمار الشامل والفوضى غير المنضبطة التي ترغب فيها بعض الأطراف الدولية الفاعلة.
بقاء الفوضى تحت السيطرة قد يكون السيناريو الأقل ضرراً، لكن الخوف دائماً من خروجها عن السيطرة مما قد يؤدي إلى نتائج كارثية

وفيما يخص مستقبل سوريا؛ أشار الرنتاوي إلى أن سوريا تشهد حالياً انهياراً في النظام القديم ، لكن البلاد ليست أمام نظام جديد واضح المعالم بعد.
معطيات السياسة والميدان لا تزال تشير إلى حالة من الضبابية، حيث لم تتضح بعد ملامح المرحلة القادمة؛ فسوريا تواجه واقعاً صعباً يتطلب قراءة دقيقة للتطورات الإقليمية والدولية المؤثرة في أزمتها
الطريق إلى “ما بعد الأسد”.. خيارات سوريا بين التقسيم والتقاسم
تُختتم هذه التحليلات بسؤالين جوهريين يبقيان دون إجابة واضحة: الأول؛ كيف يمكن لسوريا أن تتجاوز هذه المرحلة الحرجة التي تتسم بالتشظي والصراعات المتداخلة؟
والثاني؛ في ظل غياب معالم واضحة لنظام جديد وصعود سيناريوهات تقاسم النفوذ أو التقسيم الكامل، هل ستظهر إرادة دولية قادرة على التوصل إلى تسوية تضمن استقرار سوريا، أم أن البلاد ستظل عالقة في دوامة الانهيار؟