نخبة بوست – محرر الشؤون السياسية
شهدت الساحة السورية في الأيام الأخيرة تطورات ميدانية متسارعة، حيث تمكنت فصائل المعارضة المسلحة من تحقيق تقدم ملحوظ في عدة مناطق استراتيجية؛ ففي الشمال، سيطرت قوات المعارضة على مدينة حلب، ثاني أكبر مدن البلاد، بعد انسحاب القوات الحكومية منها دون مقاومة تُذكر؛ كما تمكنت هذه الفصائل من بسط نفوذها على مدينتي حماة وحمص في الوسط، مما أدى إلى تقهقر القوات الحكومية وتراجعها إلى مواقع جديدة.
وفي الشرق، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة، سيطرتها الكاملة على مدينة دير الزور، بعد انسحاب القوات الحكومية والمقاتلين المدعومين من إيران؛ كما تتقدم هذه القوات نحو مدينة البوكمال الحدودية مع العراق، مع توقعات بالسيطرة عليها قريبًا.
فجاءت هذه التطورات في وقت تشهد فيه المنطقة تحركات دبلوماسية مكثفة، حيث أعلنت روسيا وإيران وتركيا عن عقد اجتماع لبحث الأزمة السورية.
من جانبها، أكدت روسيا استمرار دعمها للرئيس بشار الأسد بهدف استقرار الأوضاع في سوريا، فيما دعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى خفض التصعيد.
جابر: الجنوب السوري يشهد تحولات دراماتيكية وأحداثًا مفصلية
وفي هذا الصدد، أكد الباحث المختص بالشأن السوري في معهد السياسة والمجتمع، حسن جابر، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، على أن التطورات الأخيرة في الجنوب السوري تعكس تحولاً دراماتيكيًا في مسار الأحداث.
وأوضح جابر أن الإعلان عن تشكيل غرفة عمليات جديدة سُميت بـ“غرفة عمليات الجنوب” من قبل فصائل معارضة محلية في مدينة درعا، وإطلاق عملية “كسر القيود”، جاء متزامنًا مع الإعلان عن السيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن من الجهة السورية، ومن ثم الانتقال للسيطرة على مدينة درعا، والتي تحمل رمزية كبيرة باعتبارها نقطة انطلاق الثورة السورية عام 2011.
وأشار إلى أن درعا كانت تعاني قبل 27 نوفمبر 2024، وهو يوم انطلاق عملية “ردع العدوان” من قبل فصائل المعارضة المسلحة، من هشاشة أمنية وفوضى، تمثلت بانتشار شبكات تهريب المخدرات والجريمة المنظمة وعصابات الخطف بهدف الابتزاز، بالإضافة إلى وجود فصائل مسلحة مدعومة إيرانيًا، خاصة في أرياف درعا ومحيطها.
وأضاف جابر أن الجنوب السوري كان يعاني من غياب التنمية ومستويات غير مسبوقة من الفقر، ما أدى إلى تفاقم الهشاشة الأمنية وازدياد حالة عدم الرضا عن الوضع القائم؛ مشيراً إلى أن اتفاقيات التسوية بين النظام السوري وفصائل المعارضة في عامي 2018 و2021، التي تمت بضمانات روسية، ساهمت في إبقاء عدد من المعارضين في درعا، وعلى الرغم من تخليهم عن السلاح؛ إلا أنهم احتفظوا بخلفية ثورية غير منسجمة مع النظام السوري، ما جعلهم يشكلون الطرف الأساسي في التحركات الحالية.
كما تطرق جابر إلى أن مدينة السويداء المجاورة لدرعا تتميز بخصوصية اجتماعية، حيث يشكل الدروز غالبية سكانها، وتؤدي المجموعات المسلحة المحلية فيها دورًا فاعلًا في حفظ الاستقرار.
الأردن؛ وتأثير الأحداث على أمنه الوطني
وفيما يتعلق بتداعيات هذه التطورات على الأردن، لفت جابر إلى أن المملكة ترتبط مع الجنوب السوري بشريط حدودي يبلغ 375 كيلومتراً، ويُعبر الجنوب السوري عن أهمية جيوسياسية للأردن، مما يجعلها متأثرة مباشرة بالأحداث وتطوراتها هناك.
وأكد جابر أن الأردن أعلن في ديسمبر 2023 عن قواعد اشتباك جديدة لمواجهة تهريب المخدرات، وهو ما يعني حالة تأهب مرتفعة للجيش الأردني مسبقًا، بالإضافة لإغلاق معبر جابر – نصيب مؤخرًا كإجراء وقائي ضروري، مع دعوة الأردنيين لمغادرة سوريا.
كما أشار إلى أن تعزيزات عسكرية إضافية أُرسلت إلى الحدود، ما يعكس أهمية التطورات الأخيرة في الجنوب السوري بالنسبة للأردن.
وختم جابر بالتحذير من تداعيات إنسانية محتملة في الجنوب السوري، تشمل استهداف المدنيين واحتمالات تدفق المزيد من اللاجئين، ما يضيف أعباء جديدة على الأردن، الذي يعاني منذ أكثر من عقد من استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين؛ مؤكداً على أن الأردن يواصل متابعة الأحداث بمرونة عالية، لضمان أمنه الوطني واستقراره.
مستقبل الجنوب السوري.. تساؤلات حول الاستقرار والأمن الإقليمي
مع استمرار التصعيد العسكري في الجنوب السوري، تتزايد المخاوف من تأثير هذه التطورات على استقرار المنطقة، خاصة بالنسبة للأردن الذي يواجه تحديات أمنية وإنسانية متصاعدة؛ فكيف ستتعامل المملكة مع احتمالات تدفق موجات جديدة من اللاجئين؟ وما هي الاستراتيجيات المتاحة لمواجهة تهديدات تهريب المخدرات والجماعات المسلحة على حدوده الشمالية؟ في ظل هذه التحديات، هل ستنجح الجهود الدبلوماسية في تحقيق الاستقرار المنشود، أم أن المنطقة مقبلة على مزيد من التعقيد؟