نخبة بوست – كتب: هزاع البراري ( الكاتب والمحلل السياسي)
لم تعد الحرب في سوريا تنعم بوضع “كتم الصوت”، ولم يعد من الممكن أن تبقى مسكوتًا عنها، وكما ذكرنا في مقال سابق تحت عنوان “الحرب المسكوت عنها والدولة الصامتة”، ها هي الحرب تعلن عن نفسها بشكل دراماتيكي سريع، حيث يتسم الهجوم بالتقدم يقابله تراجع ثم انسحاب سريع للجيش السوري.
فبعد أن كان يُعتقد أن هذه القوى والحركات دخلت في حالة سبات في إدلب وعلى الحدود التركية، وما قام به أردوغان من تصريحات صحفية يعلن فيها رغبته في لقاء الأسد للدخول في مباحثات تسوية وطي صفحة العداء السابقة، يبدو الآن أن تلك التصريحات جاءت في إطار الخديعة وإيهام الجانب السوري بأن الأوضاع في الجبهة الشمالية الغربية تسير نحو الحلحلة والهدوء.
وربما أدى هذا إلى مزيد من الاسترخاء لدى الجيش السوري، مما أسهم في تحقيق المفاجأة التي أربكت الدفاعات وأدخلتها في حالة انهيار مؤقت.
هذا الانقضاض الكبير والتدفق المستمر للمقاتلين عبر الحدود وإدلب يؤكد أنه كان أمرًا مُدبّرًا بليالٍ طويلة، وليس وليد لحظة سانحة؛ لا شك أن ما حدث ينمّ عن تدريب جيد وتخطيط دقيق، متضمنًا تغطية تقنية ومساعدات استخباراتية دولية وتسليحًا نوعيًا، بما في ذلك صواريخ ومسيرات.
فالجبهة تتسع، والخطوط تتباعد، والمهمة تصبح أكثر صعوبة على الطرفين؛ فهل سيتمكن المهاجمون من ربط خطوط الإمداد بالأسلحة والذخائر والوقود والمعلومات لمواصلة زخم الهجوم ومواجهة الهجوم المضاد القادم لا محالة؟ إذا نجحوا في ذلك؛ قد يتمكنون من تغيير المعادلة، ولكن إذا ضعفت خطوط الإمداد وتقطعت السبل هنا وهناك، فإن هذا الهجوم السريع مرشح للتعرض لانتكاسة موجعة.
هذا كله يؤكد أن الأوراق قد رتبت بعناية، وأن الفشل الأول لدى الجانب السوري يكمن في عدم قدرته على رصد الاستعدادات ومراقبة الحشود قبيل الهجوم.
فهل هناك صفقة خفية تشمل التخلي عن دعم سوريا ورفع الغطاء عنها، مع الإبقاء على الدعم الإعلامي والتصريحات التي لا تؤثر فعليًا في سير المعارك؟ وهل خطة الهجوم الشمالي تتضمن في مراحلها المقبلة تحريك قوى أخرى في الجنوب والشرق؟ وهل سيكون للقواعد الأمريكية دور في الإسناد؟ أما الدور الإسرائيلي، فهو لم ينقطع، ومرشح لزيادة الزخم مع تطور الأحداث.
من الواضح أن إضعاف حزب الله على أكثر من مستوى وشروط وقف إطلاق النار التي أذعن لها وقطع خطوط إمداده انعكس على قدرته في مساندة حليفه السوري. كما أن إيران وميليشياتها تعاني من حالة نكوص وضعف واضح داخل سوريا.
ولكن؛ هل تفكر روسيا في مقايضة سوريا بأوكرانيا؟ هذا ممكن في ظل حالة الاستنزاف المستمرة في سوريا، وأفضلية أوكرانيا استراتيجيًا بالنسبة لروسيا؛ وهنا تتبدل الأحوال وتزداد العاصفة قوة واتساعًا.
في الوقت نفسه، قد يتمكن الجيش السوري من استجماع قواه ويحظى بدعم إيراني روسي كبير، مما يمكنه من شن هجوم مضاد واسع. ومع اتساع المساحات التي تسيطر عليها القوى المهاجمة، قد يتشتت زخم قوتها.
وقد ينتج عنها مزيد من تشظي الأرض، وهي حالة لن تنتهي إلا بتسوية تستند إلى تغيير في البنية السياسية السورية، رأسها دستور جديد وانتخابات عامة على قواعد جديدة تضمن مشاركة المعارضة بكل تنوعاتها ومرجعياتها ومناطق وجودها.