نخبة بوست – محرر الشؤون السياسية
أكد حسن جابر، الباحث المتخصص في الشأن السوري من معهد السياسة والمجتمع، أن عملية “ردع العدوان” العسكرية الجارية في سوريا، والتي دخلت يومها الثالث، تمثل تطورًا مهمًا لفهم السياق السابق لها، وكذلك التطورات المتفاقمة على الأرض في المشهد السوري. وأشار إلى أن هذه التطورات تتعلق بمشهد السيطرة والنفوذ وتوازن القوى محليًا، مع ارتباطها بعدة عوامل إقليمية سبقت العملية.
وأوضح جابر في تصريح خاص لـ “نخبة بوست” أن أحد أبرز هذه العوامل يتمثل في الحرب الدائرة في لبنان، بالإضافة إلى الغارات الإسرائيلية المستمرة على المواقع الإيرانية الحيوية في سوريا. وأشار إلى أن هذه الغارات، التي تجاوز عددها خلال العام الماضي مستوى غير مسبوق، استهدفت منشآت إيرانية رئيسية، مثل الغارة التي استهدفت القنصلية الإيرانية، وكذلك قيادات بارزة.
وأضاف أن السياق الإقليمي للعملية يشمل أيضًا مؤتمر أستانة الأخير (الجولة 22)، الذي عُقد في 13 نوفمبر، والذي يهدف إلى توزيع النفوذ والتفاهم بين القوى الأجنبية الرئيسية في سوريا، وهي روسيا، وإيران، وتركيا؛ وبيّن أن المؤتمر دعا إلى التفاهم ومشاورات حول المشهد الحالي في سوريا وضرورة تجنب التصادم المباشر بين هذه الأطراف، رغم اختلاف مصالحها. فروسيا وتركيا تدركان أن إيران ليست في أفضل حالاتها، سواء في سوريا أو في المنطقة، وهو ما يشكل عاملًا مؤثرًا في العلاقات البينية.
إيران طرف “مزعج” لحلفائها
وأشار جابر إلى أن إيران تُعتبر طرفًا مزعجًا حتى لحلفائها، مثل روسيا، رغم اتفاقهما على دعم النظام السوري. هذا الانزعاج يعود إلى الأهداف الإيرانية، التي تتضمن بناء نظرية “الدفاع المتقدم” للأمن القومي الإيراني، ومحاولة استخدام الأراضي السورية لمواجهة إسرائيل، خاصة في الجولان. كما تسعى إيران لتحويل النظام السوري إلى كيان أقرب إلى الميليشيا، بينما تسعى روسيا لإعادة تأهيل النظام كدولة مركزية، وبناء مؤسسات قوية قادرة على إعادة الإعمار والخروج من تداعيات الحرب.
وفيما يتعلق بتركيا، أشار جابر إلى أن مصالحها تتعارض مع إيران في سوريا، خاصة فيما يتعلق بالميليشيات الإيرانية التي تعرقل المفاوضات وإفساد مسار المفاوضات بحسب التصريحات التركية؛ وذكر أن تركيا كانت تسعى لعقد لقاءات بين أردوغان والأسد، لكن هذه المحاولات فشلت بسبب ما وصفته بـ “تعنت” النظام السوري، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التعنت الإيراني، الذي يسعى لعرقلة أي تفاهم تركي-سوري لا يضمن انسحاب القوات التركية من الشمال السوري.
تداعيات العملية على المستوى الإقليمي
على صعيد متصل؛ قال جابر بالتأكيد، تبقى التداعيات والانعكاسات الإقليمية مرهونة بمدى توسع نطاق العملية العسكرية، ونوه إلى أنه في سياق تحليلي، يمكن أن نفهم أن تركيا تسعى إلى تنفيذ عملية عسكرية محدودة تهدف من خلالها إلى تحريك ملف المفاوضات والسيطرة على أراضٍ إضافية، تمهيدًا لإعادة بعض اللاجئين، خاصة إذا كان الهدف هو استعادة السيطرة على حلب هذه المدينة ذات أهمية كبرى ورمزية خاصة، فضلًا عن أبعادها الاقتصادية التي تجعلها مؤهلة لاستيعاب اللاجئين العائدين من تركيا.
وبحسب جابر إذا اقتصرت العملية على إعادة السيطرة على حلب وأريافها الشرقية والجنوبية، فمن المتوقع أن تظل تداعياتها محصورة في الشأن السوري الداخلي؛ أما إذا توسعت العملية العسكرية بشكل مفتوح، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد مستمر يتجاوز حلب، مع احتمال التوجه نحو مناطق إضافية، مما قد يفاقم الوضع ويخرج الأمور عن السيطرة، ويعيد سوريا إلى مشهد الحروب المفتوحة.
في هذه الحالة، قد نشهد تحركًا روسيًا مشابهًا لما حدث في عام 2015، رغم القيود التي تواجه روسيا حاليًا بسبب الحرب المستمرة في أوكرانيا، والتي تستنزف مواردها منذ ما يقرب من ثلاث سنوات؛ لكن بناءً على موازين القوى وحسابات الربح والخسارة، يبدو السيناريو الأكثر منطقية هو أن تظل العملية محدودة في نطاق حلب وأريافها.
واختتم جابر بقوله “مع ذلك، تبقى الأمور غير متوقعة نظرًا لاحتمالية ردود فعل الأطراف الأخرى، خصوصًا إيران، التي قد تحرك الميليشيات والفصائل التي تدعمها نحو حلب؛ في هذه الحالة، قد يتفاقم الوضع بشكل خطير، وتخرج الأمور عن السيطرة.”