* بين صخب تحليلات الربح والخسارة بعد عودة ترامب لزعامة البيت الأبيض؛ يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن الإسلام السياسي والإخوان المسلمون بالأخص كان لهم حظوة ما من قبل الديمقراطيين
* إدارة ترامب الأولى فتحت معركة مبكرة ضد الإسلام السياسي؛ سواء مدعومًا من إيران أو تابعًا لها أو مصدره الفكر الجهادي السني
* “الإخوان” ضمن كبار الخاسرين بعد فوز ترامب، لأنه من المؤكد سيعيد فتح ملف دراسة إدراج الحركة كـ “منظمة إرهابية”
* هناك تلاقيًا وتوافقًا بين نهج ترامب وقوى إقليمية في مجابهة الإسلام السياسي، وأن هذه الدول الإقليمية قد استشعرت في وقت مبكر خطر هذه التنظيمات، وسعيها لجر الإقليم برمته إلى دوامة من العنف
نخبة بوست – كتب: هزاع البراري ( الكاتب والمحلل السياسي)
بين صخب تحليلات الربح والخسارة بعد عودة ترامب لزعامة البيت الأبيض، يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن الإسلام السياسي والإخوان المسلمون بالأخص كان لهم حظوة ما من قبل الديمقراطيين، وتعد مرحلة الرئيس أوباما الأكثر وضوحًا وأثرًا في ذلك التوجه، فقد دعمت إدارته بشكل أو بآخر الإخوان المسلمين خاصة خلال ما سُمي جزافًا “الربيع العربي“.

تعد مرحلة الرئيس أوباما الأكثر وضوحًا وأثرًا في ذلك التوجه، فقد دعمت إدارته بشكل أو بآخر الإخوان المسلمين خاصة خلال ما سُمي جزافًا “الربيع العربي”
ولعل خطاب أوباما في جامعة القاهرة في 2009 والذي أعلن فيه أوباما أنه مستضاف من قبل جامعة القاهرة والأزهر وفي هذا دلالة توضحت فيما بعد، قد رأى فيه الكثير أن هذا الخطاب من ممهدات “الفوضى الخلاقة” التي دخلت حيز التنفيذ الأوضح في عهد أوباما، وهي من جاءت بالإخوان إلى الواجهة السياسية خاصة في مصر، وأدخلت المنطقة في فوضى عنف مدمرة، كان رأس الحربة فيها الإسلام السياسي، وبروز حركات جهادية بنهج متطرف، خرجت جلها من عباءة الإخوان، مثل داعش والنصرة وقبلها القاعدة وغيرها، بالإضافة إلى بعض قوى ومنظمات إسلامية شيعية مثل حزب الله والحشد وعصائب الحق وغيرها.

وكان الهدف أن تدخل المنطقة في حالة ضعف وهشاشة، تسمح بتنفيذ الشرق الأوسط الجديد، وذلك عبر تفكيك أو إضعاف دول وأنظمة، مما يسهل تحريك حجارة اللعبة بشكل يخدم المصالح الخارجية، وكان الإخوان وكثير من منظمات الإسلام السياسي أذرعًا فاعلة في ذلك سواء بقصد أو من غير قصد.
مع سقوط حكم الإخوان في مصر تحت ضغط الشارع المصري، ومن ثم خروج الديمقراطيين من البيت الأبيض بعد فوز ترامب في ولايته الأولى على هيلاري كلينتون 2016، بدأت المعادلة بالتغير، فترامب ليس على نهج من سبقه، فكان على عداء مع الإسلام السياسي وعلى رأسهم “الإخوان المسلمون”
فما كاد يتسلم مقاليد البيت الأبيض حتى أعلن عن بدء مراجعة داخل الإدارة الأمريكية لإدراج تنظيم الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، كما تضمنت المراجعة المعلنة إمكانية إلحاق الحرس الثوري الإيراني وبعض المنظمات الأخرى باعتبارها منظمات وتنظيمات إرهابية.
وبذلك تكون إدارة ترامب الأولى قد فتحت معركة مبكرة ضد الإسلام السياسي، سواء مدعومًا من إيران أو تابعًا لها أو مصدره الفكر الجهادي السني. فقد عمل مستشار الأمن القومي لترامب “مايكل فلين” وفي بواكير حكم ترامب على وضع مقترح لإدراج حركة الإخوان تنظيمًا إرهابيًا، وفيما بعد تحدث مستشار الأمن القومي الثاني “هربرت ماكماستر” في محاضرة متهما تركيا الإخوانية بتصدير الفكر الإخواني المتطرف، أما “جون بولتون” المستشار الأقرب لترامب حينها فقد أسهم في تأسيس تنظيمات يمينية لمحاربة الإسلام السياسي.

لا شك أن هناك تلاقيًا وتوافقًا بين نهج ترامب وقوى إقليمية في مجابهة الإسلام السياسي، وأن هذه الدول الإقليمية قد استشعرت في وقت مبكر خطر هذه التنظيمات على الاستقرار في المنطقة والعالم، وسعيها لجر الإقليم برمته إلى دوامة من العنف، وإذكاء حالة النزاع الطائفي، وبالتالي المساهمة الفعلية في نشوب حرب إسلامية – إسلامية طاحنة، ستؤدي بالمنطقة إلى التهلكة، وبالتالي تساعد القوى الخارجية في تمرير خططها في إعادة تقسيم الشرق الأوسط والسيطرة على موارده ومستقبله.
لقد عانى الإسلام السياسي كثيرًا خلال فترة ترامب الأولى، وشهد تراجعات واضحة، وبقيت هذه المنظمات تحت ضغط شديد بجناحيها الإخواني والإيران
لقد عانى الإسلام السياسي كثيرًا خلال فترة ترامب الأولى، وشهد تراجعات واضحة، وبقيت هذه المنظمات تحت ضغط شديد بجناحيها الإخواني والإيراني، حتى عاد الديمقراطيون إلى البيت الأبيض بعد فوز جون بايدن بالانتخابات قبل الأخيرة على ترامب نفسه. لكن فترة بايدن امتازت بالضعف البين، والانكفاء العام باستثناء التشدد الذي أشعل الحرب الروسية الأوكرانية، والاصطفاف المشين مع إسرائيل بعد 7 أكتوبر، بالتالي هي مرحلة إجمالًا بلا لون أو إيقاع، وهي أسباب داخلية وخارجية أسهمت في مساعدة ترامب على تحقيق فوز جديد ساحق.

اليوم وقد عاد ترامب، وحركة الإخوان تواجه حظرًا في عدد من دول المنطقة الرئيسية، وتشهد الحركة تراجعًا عامًا، إذ نجد أردوغان قد انكفأ داخليًا، وأعاد بناء علاقته مع مصر والسعودية والإمارات، ولم يعد الواحة الوارفة لحركة الإخوان وخاصة العربية منها. وقطر بدأت تقرأ أولويات المرحلة وتبدلاتها وتتكيف مع هذه المستجدات، في حين أن حركة الإخوان في المغرب والتي تختلف في أسلوب تعاطيها مع الواقع عن الحركة في المشرق قد منيت بخسارة شعبية كبيرة في الانتخابات النيابية والبلدية، وخرجت سلميا من المشهد وصارت في الهامش غير المؤثر.
ولا شك أن 7 أكتوبر قد أنعش حال الحركة في فلسطين والأردن، فقد حاولت الحركة تجيير ما يحدث في غزة لصالح إنعاشها شعبيًا، وبالتالي تحقيق مكاسب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الأردن، لكن بنظري أن هذه الإفادة لن تكون عميقة الجذور، خاصة بعد اغتيال السنوار وأفول حماس العسكري وضعفها السياسي، وتراجع دورها المؤكد في إدارة غزة وربما خروجها من المشهد برمته، وما صدر عن قطر مؤخرًا ينبئ بمثل هذا القادم لا محالة ضمن المرحلة الترامبية الجديدة.

“الإخوان” ضمن كبار الخاسرين بعد فوز ترامب
مؤكد أن حركة الإخوان هي من ضمن كبار الخاسرين بعد فوز ترامب، لأنه من المؤكد أن ترامب سيعيد فتح ملف دراسة إدراج الحركة كمنظمة إرهابية، أو على الأقل بعض فروعها، لأن نهج هذه الحركة ليس نسخة واحدة في كل الدول، وهو – أي ترامب – سيعمد على أقل تقدير إلى مجابهتها والعمل على إضعافها، ولن يؤجل ذلك كثيرًا.
فماذا على الحركة أن تعمل؟ هل تجابه وتواجه فتخسر أكثر؟ أم تتراجع تكتيكيًا وتغيب بوعي عن الواجهة، وتفتح باب الحوار مع إدارة ترامب من جهة، وبذات الوقت تذهب نحو خيارات أكثر وطنية داخلية، وأن تكون أكثر تفهمًا وانسجامًا مع الأنظمة والشعوب التي تنظوي تحتها؟
هذا شأنها، لكن عليها أن تدرك أن هذا أحد المواسم العجاف حيث “لا قمره ولا ربيع”، وأن المواجهة أقرب إلى الخسارة محليًا وإقليميًا، وإعادة التموضع والانفتاح وحسن التعاطي مع هذه التحولات الكبرى هو أكثر نجاعة وأفضل مآلًا من خسارة موجعة.