نخبة بوست – كتب : د. رامي عياصرة
ضمن السياقات الموضوعية، يمكن القول إن معركة “طوفان الأقصى” قد دخلت في ربعها الأخير؛ ويعود هذا الاستنتاج إلى عدة عوامل، منها أن الحرب تخطت حاجز العام الكامل، وهي فترة طويلة نسبياً وغير معتادة، كما أنها مكلفة لجميع الأطراف، خصوصاً للطرف الإسرائيلي الذي تضرر بشكل كبير في البعد الاقتصادي، إلى جانب خسائره في الأرواح والمعدات، بالإضافة إلى التكلفة الكبيرة لتشغيل منظومة القبة الحديدية ومقلاع داود. الأهم من ذلك كله هو النزوح الواسع للمستوطنين في غلاف غزة وشمال فلسطين، وازدياد الهجرة العكسية.
على الصعيد العملياتي والاستراتيجي، وصل الجانب الإسرائيلي إلى طريق مسدود. فلم يتمكن نتنياهو من تحقيق أهداف الحرب المعلنة التي تشمل القضاء على حماس والمقاومة في غزة، واستعادة الأسرى بالقوة، وإدامة احتلال غزة وإعادة الاستيطان فيها. كما فشل في إضعاف حزب الله ودفعه إلى ما وراء الليطاني، رغم توجيه ضربات للقيادة العليا للحزب.
بالتوازي مع ذلك، شهدنا مؤخراً تغييراً واضحاً في لهجة القادة الإسرائيليين، إذ استبدلوا مصطلح “اجتثاث حماس” بعبارات تشير إلى “إضعافها ومنعها من الاستمرار في حكم غزة”. وبعد الفشل في تحرير أي من أسراهم، عاد الحديث عن إحياء مفاوضات تبادل الأسرى في الدوحة، على أمل إطلاق سراح بعضهم لتقديم ذلك للرأي العام الإسرائيلي كنصر سياسي.
كما شهدنا تبادل الهجمات بين إسرائيل وإيران، حيث تبادلت الدولتان الرسائل السياسية والعسكرية، لتصل في النهاية إلى توازن نسبي في قوة الردع بعد الرد الإسرائيلي الأخير.
أما المتغير الأبرز في سياق الأحداث فهو الانتخابات الأمريكية القادمة، والتي ستأتي بإدارة جديدة خلفاً لبايدن، الذي تمكن نتنياهو من الاستقواء عليه بشكل كبير دون أن يخسر الدعم الأمريكي. ومع ذلك، يدرك نتنياهو أن طبيعة العلاقة مع البيت الأبيض ستكون مختلفة بعد الانتخابات، سواء جاء كامالا هاريس أو ترامب، مما سيدفع باتجاه إنهاء الحرب.
كل هذه المعطيات تشير إلى أننا في ربع المعركة الأخير، الذي يتميز ببدء الجميع في التراجع، خاصة نتنياهو وحكومته المتطرفة، مع إعادة تحريك ملف التفاوض بعد تجميده مؤخراً، وطرح حلول سياسية لإنهاء الحرب. هذه الحلول تمثل معركة دبلوماسية وسياسية لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية، بل تكملها وتترجمها إلى حقائق سياسية راسخة على الأرض، وتعدّ قطفاً لثمار المعارك العسكرية.
في تقديري، لولا شعور نتنياهو وحكومته بعدم جدوى الاستمرار في الحرب، وأن إيجابيات إيقافها تفوق بكثير استمراريتها، لما توقف ولما اتجه نحو صيغة لتبادل الأسرى، ولو بشكل جزئي.
لذا، يجب الوعي بطبيعة نهايات المعركة، وكيفية تعظيم المكاسب من طرف حماس والمقاومة الفلسطينية وحزب الله، وتقليص مكاسب الطرف الإسرائيلي بقدر الإمكان، وترجمة هذا الصمود الأسطوري والتضحيات الجسام لأهل غزة إلى اتفاق مشرف لوقف إطلاق النار.