نخبة بوست – محرر الشؤون السياسية
لا شك أن السؤال الرئيسي اليوم هو: لماذا تعاملت الدولة مع ما قام به “الإخوان المسلمين” بهذا الشكل؟ خصوصًا في ظل دعوات داخل الدولة بضرورة محاكمة حزب جبهة العمل الإسلامي وتفعيل إلغاء الجماعة؛ أو مطالب المقربين من الحركة بضرورة طيّ الملف ووقف الحملات الإعلامية، باعتبار أن “الإخوان المسلمين” قد عدلوا خطابهم وهذا يكفي.
الأخبار بدأت ترد أن اجتماع مجلس الوزراء ليوم السبت سيشهد قرارات تتعلق بالجماعة؛ لكن القرار كان واضحًا؛ الاكتفاء برد يحمل رسائل على لسان رئيس الحكومة جعفر حسان، الذي أكد فيه أنه لن يُسمح بأي تجاوز على القانون والمؤسسات الوطنية، أو استغلال الناس وعواطفهم لأهداف سياسية، والمتاجرة بحياتهم بالشعارات دون أدنى مسؤولية؛ وأنه لم ولن نكون مسرحًا للفوضى والعبث، أو النيل من أمننا واستقرارنا ومنجزنا الوطني الذي راكمناه بحكمة قيادتنا وحنكتها.
ظن الكثيرون أن الدولة ستغتنم فرصة حقيقية لتقول للإخوان المسلمين: “نحن الدولة” بمعنى أن تمارس سيادتها؛ إلا أن الدولة تعاملت بطريقة مختلفة وفقًا لسلطاتها الدستورية والقانونية فيما يتعلق بالإخوان المسلمين، خصوصًا وأنهم جماعة محظورة؛ فالكل سيتفهم ذلك، وخاصة في الإقليم؛ إلا أن الدولة الأردنية، على ما يبدو، وقفت على ثلاثة محاذير رئيسية:
الأمر الأول؛ يتمثل في أن الأردن اليوم يتعامل بـ “جديّة” مع الجرائم الإسرائيلية، وهناك مناداة على أعلى المستويات ضد نتنياهو وحكومته اليمينية؛ ما يعني عدم منطقية ضرب الإخوان المسلمين، وبما قد يُفهم لصالح إسرائيل بطريقة أو بأخرى.
وهذا كله يراد منه أن يفهم الإسرائيليون أنه “كما أن إسرائيل على الشجرة؛ جيد أن تكون أنت أيضًا على الشجرة أحيانًا”.
الأمر الثاني؛ أنه في ظل الإقليم المضطرب، ليس هناك داعٍ للتصعيد في الجبهة الداخلية بأي شكل من الأشكال، حتى مع “الخطيئة” التي ارتكبها الإخوان المسلمون والمتعلقة بـ(الثقافة والمجتمع والأمن)، وهو ما يعني أن الإخوان المسلمين قد ضربوا المعادلة الثلاثية؛ لكن الدولة، في ظل اضطراب إقليمي واحتمال توجيه ضربة إسرائيلية لإيران، والتغيرات السريعة التي تحدث في الإقليم، رأت أن الأفضل هو دفع الإخوان المسلمين نحو “التبريد”. بالمقابل، سمحت لهم الدولة بالظهور على التلفزيونات الرسمية والتحدث بشكل ما عن معادلة الخطاب التراجعي (الاعتذار الذي قدموه)، مع أنه لم يكن واضحًا رغم ذلك؛ ولم يستغل الأمين العام للحزب المهندس وائل السقا هذه الفرصة لتقديم اعتذار حقيقي.
الأمر الثالث؛ هو أن الدولة، مرحليًا، حققت ما تريد من خلال تراجع الإخوان؛ بمعنى أن هناك إدراكات حقيقية لدى القيادات الإخوانية حول الاقتراب من المسلمات والخطوط الحمراء؛ وخاصة فيما يتعلق بإظهار الدولة لصلابتها. اكتفى الإخوان بالتراجع، واكتفت الدولة بهذا التوقيت وهذا السياق في الصراعات، بما قدمه الإخوان.
ولكن ما يجب معرفته أن العام القادم سيكون حاسمًا، وكل طرف سيحاول أن يحشد قوته ضد الآخر؛ خصوصًا وأن مستقبل الإسلام السياسي قد يكون على المحك، في ظل وجود عدة فرضيات تراقبها الدولة؛ فإما أن ترقب ضمورًا طبيعيًا أو عقلانية تظهرها الحركة الإسلامية خاصة في أدائهم البرلماني؛ أو أن يكون في جعبة الدولة خيارات لكل هذه التراكمات التي حدثت خلال الأيام الماضية.