نخبة بوست – أماني خماش
في عصر التكنولوجيا الرقمية والتواصل الفوري، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، إلا أن هذه المنصات التي بدأت كوسيلة للتواصل وتبادل الأفكار والمعلومات تحولت مع مرور الوقت إلى ساحة نقاشات حامية ومعارك فكرية.
يثار الجدل اليوم حول دور هذه الوسائل: هل هي محرك للفتنة وتأجيج الصراعات، أم أنها ببساطة تعكس واقعاً كان موجوداً تحت السطح وكشفت النقاب عنه!؟
بوجه عام، تتباين الآراء حول تأثير هذه المنصات، فبينما يراها البعض سبباً في زيادة الانقسامات ونشر الكراهية، يعتقد آخرون أنها توفر مساحة لعرض الحقائق وكشف المستور، وفي هذا السياق، نتناول السؤال: هل وسائل التواصل الاجتماعي تثير الفتنة أم أنها مجرد مرآة تعكس ما كان موجوداً أصلاً؟
أبو حمور: سلوكيات قديمة بطابع إلكتروني
توجهنا بسؤالنا أولا إلى أخصائية علم الاجتماع د. شروق أبو حمور والتي أكدت بدورها أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت عاملاً مساعداً على انتشار الفتنة بصورة أكبر وبطرق أكثر حداثة، وأضافت أنه بالرغم من وجود السلوكيات السيئة في وقت سابق بطرق أكثر بساطة، كالاستغابة والنميمة ونقل الأحاديث المكذوبة وتشويه سمعة الأشخاص، إلا أن اكتسابها للطابع الإلكتروني أدى إلى صبغها بمسميات عصرية مثل مصطلح التنمر الإلكتروني واغتيال الشخصية.
وبشأن السلوكيات الأكثر انتشارا على وسائل التواصل الاجتماعي، أوضحت أبو حمور أن هذه المواقع سلاح ذو حدين، بالرغم من جانبها الإيجابي، إلا أنها تحمل في طياتها العديد من السلبيات، ويعود سبب انتشار العادات السيئة لوجود خلل في سيكولوجية البعض، بالإضافة إلى كسرهم حاجز عدم المواجهة المباشرة مع الآخرين، إذ يستطيع الأفراد نشر أفكارهم والتعبير عن مشاعرهم غير السوية تجاه الآخرين بطرق همجية.
وأشارت أبو حمور إلى أثر وسائل التواصل الاجتماعي في تعديل الاتجاهات بشكل إيجابي، فأحداث غزة الأخيرة خير دليل على ذلك، حيث كان لوسائل التواصل الاجتماعي الأثر الكبير بنقل الصورة الحقيقية للاحتلال وتوعية العالم بجرائمه، مما انعكس بشكل إيجابي على المشهد السياسي الفلسطيني، حيث أقدمت العديد من الدول على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وفي ذات السياق بينت أبو حمور أن الحد من انتشار السلوكيات السلبية وتعزيز الإيجابي منها، يتطلب اتباع وسيلة “الترغيب” والتي تتمثل بأسلوب لم ينص عليه القانون، كالالتزام بالأخلاق والقيم الإنسانية، والتعاون الإيجابي، كالتعاون في نشر فكرة معينة عبر تفعيل ” الهاشتاج” أو مشاركة منشور ذو طابع إيجابي، مما له تداعيات تسهم في نشر الصورة الحضارية للمجتمع، والفكر الصحيح الذي يقوده أهل العلم والفكر والدراية.
أما أسلوب الترهيب فيتبع من خلال تطبيق العقاب القانوني للحد من الفتنة والتنمر والإشاعات الإلكترونية والنصب والاحتيال.
الحسامي: وسائل التواصل الاجتماعي ذات تأثير مزدوج
من جانبه بين خبير الاتصال الاستراتيجي والمدير التنفيذي لشركة “مكانة 360” عبد الرحمن الحسامي أن مواقع التواصل الاجتماعي تعد وسيلة للتعبير عن الرأي ونقل المعلومات، وتعتمد النتيجة على كيفية استخدام هذه الوسائل والأدوات المتاحة لذلك، فهي ذات تأثير مزدوج؛ فمن ناحية، يمكن كشف القضايا والمشاكل الموجودة في المجتمع، والعمل على زيادة الوعي بها، مما له مالات إيجابية في المعالجة وإيجاد الحلول، ومن ناحية أخرى، إذا لم يتم استخدامه بحذر ومسؤولية، يمكن أن يؤدي إلى انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة، مما سيسهم في نشر الفتنة، ويعزز الانقسامات.
أما بشأن السلوكيات الأكثر انتشارا على مواقع التواصل الاجتماعي أشار الحسامي إلى أن السلوكيات تتنوع بين الإيجابية والسلبية، فمن خلال تحليل البيانات والحوارات الرقمية على مدى سنوات، باستخدام أدوات الاستماع الرقمي في شركة مكانة 360، لوحظ انتشارًا واسعًا للسلوكيات الإيجابية مثل الدعم المجتمعي، والمشاركة في حملات التوعية، إلا أنه من جانب آخر كان هناك انتشارا للسلوكيات السلبية كالتنمر الإلكتروني، ونشر الشائعات، والتحريض.
وفي ذات السياق شدد الحسامي على أهمية تعزيز المحتوى الإيجابي، فيجب دعم ونشر المبادرات التي تروج للسلوكيات الإيجابية، بالإضافة إلى تطوير سياسات صارمة لمراقبة المحتوى، ومعاقبة المخالفات بطرق تضمن الحفاظ على حرية التعبير دون التعدي على حقوق الآخرين، والاستفادة من الأدوات المتقدمة مثل براق لتحليل البيانات وفهم السلوكيات، مما يساعد في وضع استراتيجيات فعالة لمعالجة القضايا السلبية وتعزيز الإيجابيات.
محادين: لا يوجد وسيلة بوسعها الحد من انتشار السلوكيات السلبية
من جانبه بين أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة د.حسين محادين، أن السلوكيات المؤذية للآخرين من اغتيال ش خصيةأو اختلاق قصص وهمية مضللة، كلها من السمات التي تتفرد بإمكانية حصولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فمن الطبيعي أن الرسالة أي كان محتواها تتسم بسعة الانتشار من قبل الآخرين، والأهم من ذلك تبنيها من قبل قليلي المعرفة، فلا يوجد وسيلة بما فيها قانون الجرائم الإلكتروني بوسعها أن تحد من فلسفة وجود وسائل التواصل الاجتماعي.
وبشأن إيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي بين محادين أنها متعددة من ضمنها كثرة المتابعين، وسهولة نشر المعلومات بينهم في أي وقت، والاهم من ذلك أن السوشال ميديا قد وفرت ما يعرف بـ “ثقافة الصورة” حيث نجد أن البعض يدعم آراءه بالصور أما بمواقف اجتماعية أو في النشاطات، والمهم هنا هو أن ما يقارب 80% من المعارف نستقيها عبر حاسة البصر، وبالتالي نجد أن ثقافة الصورة تغري المتلقين في تجريدها دون تمحيص أو استعمال العقل الناقد، والأخطر هو إعادة نشرها في أكثر من مكان.
السلوكيات الايجابية والسلبية مرتبطة بالفكرية
لم تستطع السلوكيات الإيجابية منع نظيرتها السلبية من أن تلقى رواجا كبيرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تتمكن من تقويض سرعة انتشارها، والحد من تعزيزها بين رواد المواقع، فهذا الفضاء هو بمثابة مرآة عكست حقيقة الواقع بمجمله، لا سيما وأن هذه السلوكيات كانت تمارس على أرض الواقع قبل أن تنتقل إلى هذا الفضاء الرحب.
لذا يبقى الالتزام بالاخلاق وعدم التعدي على خصوصيات الأخرين مرتبط بالفرد نفسه ويعتمد على خلفيته ونشأته الثقافية..