* “الإخوان المسلمون” حققوا تغييرات ملحوظة في المشهد الانتخابي الحالي، حيث حصلوا على أعلى الأصوات من بين الأحزاب المشاركة
* الانتخابات كانت شفافة ونزيهة، والعدوان على غزة والضفة انعكس على مسار الانتخابات، لكنه لم يكن العامل الرئيسي
* العامل الديني شكّل أحد الدوافع الرئيسية لاختيار الناخبين لهذا الاتجاه، بالإضافة إلى الخطاب الذي قدمه الحزب والذي لامس مشاعر المواطنين
* “العمل الإسلامي” كان الأكثر قدرة على إدارة الانتخابات، واستطاع الاستثمار في مجريات الأحداث الراهنة على الساحتين المحلية والإقليمية
* نتائج الانتخابات ستحدث تغييرات كبيرة في المرحلة المقبلة، كما ستؤسس لحالة جديدة من وجود الحكومة ضمن مسار التحديث، وقد نشهد حكومة ظل لأول مرة في الأردن
* “العمل الاسلامي” تمكن من خوض العملية الانتخابية بشكل منظم، والوصول إلى قواعد اجتماعية جديدة لم يكن قد ترشح فيها سابقًا، وحقق فيها مراتب متقدمة
نخبة بوست – أماني الخماش
حقق حزب جبهة العمل الإسلامي فوزاً لافتاً في انتخابات مجلس النواب العشرين؛ هذا الفوز يأتي في ظل تحديات داخلية تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والبطالة، بالإضافة إلى مشهد إقليمي مضطرب، مما دفع العديد من المواطنين إلى البحث عن بدائل سياسية قادرة على تحقيق إصلاحات ملموسة.
ولعل المحور الأبرز هنا: هل يعتبر هذا الانتصار مؤشراً على قوة الحزب وقدرته على التواصل مع القواعد الشعبية ؟ وما هو مستقبل العلاقة بين التيارات الإسلامية والسلطة في إطار العملية الديمقراطية والتمثيل السياسي؟
“العمل الاسلامي” يحصد نصيب الأسد
وسط مشهد سياسي جديد، جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية على نحو غير متوقع، وبالرغم من صدور قانون الأحزاب والانتخاب الذي عزز الحضور الحزبي في مجلس النواب ودفع باتجاه أحزاب جديدة في الساحة السياسية، إلا أن النصيب الأكبر في نسبة الاقتراع كان لصالح حزب جبهة العمل الإسلامي.
وبمعطيات جديدة، تمكن الإخوان المسلمون من خلق تغييرات ملحوظة في المشهد الانتخابي الحالي، حيث حصلوا على أعلى الأصوات من بين الأحزاب المشاركة، ووفقاً للهيئة المستقلة للانتخاب، حصد حزب جبهة العمل الإسلامي 460 ألف صوت من إجمالي الأصوات.
من خلال هذه النتائج، استطاع حزب جبهة العمل الإسلامي الوصول إلى المجلس النيابي عبر 31 نائباً، 17 منهم من القوائم الحزبية العامة و14 من القوائم المحلية.
البدور: العامل الديني كان حاسما في الانتخابات
وفي هذا السياق، أشار العين د. إبراهيم البدور إلى أن انتخابات مجلس النواب العشرين كانت مختلفة عن سابقاتها خلال الـ35 عامًا الماضية، حيث تم لأول مرة تطبيق نظام الكتل الحزبية، الذي خصص 41 مقعداً للأحزاب، ومع مبدأ التدرج، من المتوقع أن ترتفع نسبة المقاعد المخصصة للأحزاب إلى 65%.
وأوضح البدور أن يوم الانتخاب كان المحك الرئيسي لنتائج تطوير المنظومة السياسية، ونجاح العملية الانتخابية يعكس نجاح هذا التطوير، وأظهرت النتائج شبه الرسمية أن التيارات السياسية في الأردن توزعت كالتالي: اليسار لم يحصل على أي مقعد، في حين حصل التيار اليميني، ممثلاً بجبهة العمل الإسلامي، على نحو 50% من المقاعد، فيما كانت نسبة التيار الوسطي قريبة من نسبة جبهة العمل الإسلامي.
وأوضح البدور أن من بين الأسباب التي أثرت على هذه النتائج، العامل الديني، إذ شكّل أحد الدوافع الرئيسية لاختيار الناخبين لهذا الاتجاه، بالإضافة إلى الخطاب الذي قدمه الحزب والذي لامس مشاعر المواطنين.
كما أن التاريخ الطويل للحزب في الأردن، كونه من أقدم الأحزاب، ساعده على الاندماج مع المجتمع، في مقابل الأحزاب الجديدة التي لا يتجاوز عمرها سنتين، والتي لا يعرفها الأردنيون جيداً، ما دفع الناخبين للتصويت لجبهة العمل الإسلامي.
الانتخابات نزيهة وشفافة ..
وأشار البدور إلى أن الانتخابات كانت شفافة ونزيهة، منوها إلى ان الأحداث المحيطة بالأردن، مثل العدوان على غزة والضفة، أثرت على مسار الانتخابات، لكنها لم تكن العامل الرئيسي.
وأضاف أن تداعيات نتائج الانتخابات على المشهد السياسي الأردني ستعتمد على قدرة الحزب على التفاعل مع أعضاء مجلس النواب وسياسة تعامله مع أجهزة الدولة. كما سيتحدد مدى استمرار الحزب ضمن دائرة المعارضة، في ظل تمثيله لما يقارب 20% من تشكيلة النواب، وهي نسبة كبيرة، وسيكون التعامل مع الحزب بناءً على منهجه في المجلس.
السبايلة: “الإخوان” .. الأكثر قدرة على إدارة الانتخابات
من جهته بين الكاتب والمحلل السياسي د. عامر سبايلة أن حزب جبهة العمل الإسلامي كان الأكثر قدرة على إدارة الانتخابات، واستطاع الاستثمار في مجريات الأحداث سواءً على الصعيد الداخلي وما يعانيه من خلل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى ضعف الحكومة التي سادت على مدار الأربع سنوات الماضية والتي أدت إلى هز صورة الدولة، وبالتالي حتى الأحزاب المحسوبة على الدولة لم تحقق ما كان مطلوبا منها.
وفيما يتعلق بالأسباب التي دفعت باتجاه هذه النتائج، أشار السبايلة إلى أن ذلك يرجع إلى عوامل عدة: أولا على الصعيد الداخلي ابتداءً من عدم قدرة الحكومة على القيام بواجباتها فيما يتعلق بالتطوير والتنمية والبطالة وخلق مناخات إيجابية، بالإضافة إلى عدم قدرتها على التسويق لمنتجات الدولة فيما يتعلق بمخرجات لجنة التحديث السياسي والاقتصادي، أما على الصعيد الخارجي استطاع الحزب الاستثمار في الأوضاع بالمنطقة لصالحه.
ولفت سبايلة إلى أن الإخوان المسلمين عملوا ضمن تكتيك كبير فدخلوا إلى القائمة الوطنية بزخم كبير، وقاوموا بالمناورة على المقاعد والكوتا بالدوائر المحلية، ومن خلال ذلك تمكنوا من التغلب على أحزاب الدولة التي كانت تعمل بآلية خاطئة، وبالتالي قدمت للإخوان فرصة كبيرة للاستفادة من نسب التصويت.
الجهني: القضية ليست عاطفية
بدوره، أوضح القيادي في جبهة العمل الإسلامي ومدير مكتب كتلة الإصلاح، خالد الجهني، أن الحزب استطاع تقديم برنامج وأفكار مقنعة، كما طرح شخصيات تمتلك الخبرات السياسية والنيابية والاجتماعية على قوائمه.
واشار إلى أن الحزب تمكن من خوض العملية الانتخابية بشكل منظم، والوصول إلى قواعد اجتماعية جديدة لم يكن قد ترشح فيها سابقًا، وحقق فيها مراتب متقدمة.
وأشار الجهني إلى أن الحزب، من خلال ملامسته لقضايا وهموم المجتمع، نجح في كسب ثقة المواطن الأردني. إذ يرى المواطنون أن البرامج التي قدمها الحزب، في حال تنفيذها، ستسهم في بناء وطني يساعد الأردن على تجاوز أزماته الاقتصادية، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين. كما أكد أن الحزب أصبح جزءًا من الجهد الوطني في مواجهة التحديات الداخلية والأخطار الخارجية.
وفيما يتعلق بتأثير الحرب على غزة على نتائج الانتخابات، أكد الجهني أن انسجام الحزب مع الموقف الشعبي الأردني تجاه الأحداث في غزة قد ساهم في هذا النجاح، لكنه شدد على أن القضية ليست عاطفية.
وأضاف: “في ظل حالة القمع وتكميم الأفواه التي يعانيها المواطن بسبب بعض القوانين التي تقيد حرية التعبير، مثل قانون الجرائم الإلكترونية وقانون الاجتماعات العامة، وجد المواطن في صندوق الاقتراع وسيلة للتعبير عن رأيه بوضوح تجاه القوى السياسية التي يراها معبرة عن وجهات نظره بخصوص الأحداث الجارية”.
وأشار الجهني إلى أن الحزب لم يستغل المواطنين عاطفيًا، مضيفًا أن حروبًا سابقة قد تزامنت مع انتخابات برلمانية دون أن يُتهم الحزب باستثمارها. على سبيل المثال، حصلت جبهة العمل الإسلامي في انتخابات عام 2016 على 14 مقعدًا، مقارنة بـ 6 مقاعد في انتخابات عام 2007، وهي آخر مشاركة لهم قبل ذلك. ورغم استهداف الإخوان المسلمين كوعاء فكري للحزب في تلك الفترة، إلا أن صعودهم استمر.
مدانات: الإخوان المسلمين استثمروا في أحداث المرحلة بشكل واضح
من جهته، أوضح المحلل السياسي المهندس شادي مدانات أن المشهد الانتخابي يتأثر بشكل كبير بالمال والنفوذ، اللذين يمتلكان القدرة على صياغة النتائج، ورغم وجود قانون الأحزاب وظهور البرامج والقوائم الانتخابية، لم يحد ذلك من تأثير المال وسلطته.
وأشار مدانات إلى أن العشائرية كانت تُوظف لمحاربة هذه الظواهر وتقويضها، بهدف فرز تقدمي من العشائر التي تتفق على شخص قادر على تمثيلها بالشكل الصحيح. إلا أن مجلس النواب أصبح، في النهاية، مؤسسة خاضعة لهيمنة المال والنفوذ، ما يساهم في تكريس السيطرة على الاقتصاد والمجتمع، ويؤدي إلى مراكمة الثروات. هذا الأمر بات هدفًا للعديد ممن يسعون للترشح، حيث يمكن للمرشح أن يحصد الكثير من الأصوات من خلال استخدام قوة المال.
وبالنسبة لنتائج حزب جبهة العمل الإسلامي، أشار مدانات إلى أن الإخوان المسلمين استثمروا في هذه المرحلة بشكل واضح، حيث انتخب بعض المواطنين الحزب رغم الاختلافات السياسية والاجتماعية، معتقدين أن الإخوان يمثلون غزة وما تتعرض له من ظلم وعدوان، وقد استطاع الإخوان تكريس هذا الخطاب في الشعارات والمهرجانات الانتخابية.
كما لفت مدانات إلى أن الحزب لم يغير شيئًا من برنامجه الانتخابي، حيث لم تختلف طروحاته الاقتصادية أو السياسية عن الدورات السابقة. فقد ظل يطرح شعارات دون تقديم برنامج متكامل لإدارة البلاد، إلا أنه في هذه الدورة تمكن من الاستثمار الدعائي وجذب قاعدة جماهيرية واسعة.
وأشار إلى أن المشهد الانتخابي قد عمق الظاهرة السلبية الرئيسية وهي تأثير المال في شراء الأصوات، مشيرًا إلى أن الأوضاع المعيشية الصعبة لعبت دورًا في تفاقم هذه الظاهرة. ولفت إلى أن الإرادة الشعبية مكبلة، وأن الحل الوحيد لتحريرها يكمن في تحرير الاقتصاد، ما سيسمح للمواطنين بالتفكير خارج إطار الضغوط المعيشية.
بدارين: اجتياح وليس اكتساح
من جهته، أوضح الكاتب والمحلل السياسي بسام بدارين أن هذه الانتخابات تميزت بأعلى درجات الشفافية والحياد منذ انتخابات 1989، معتبرًا إياها نقطة تحول جديدة.
وأشار إلى أن النزاهة التي شهدتها الانتخابات ساهمت في استعادة مصداقية العملية الانتخابية لدى الجمهور الأردني، مؤكدًا أن ما حدث في الانتخابات الأخيرة يمثل محطة مهمة في هذا السياسة.
وفيما يتعلق بالنتائج التي حققها الإخوان المسلمون، أشار بدارين إلى أن تصدر حزب جبهة العمل الإسلامي للنتائج يعتبر “اجتياحًا وليس اكتساحًا”، حيث كان لديهم موقف واضح واستراتيجية تكتيكية فعالة.
وأوضح بدارين أن النجاح في هذه الانتخابات يعود إلى عدة عوامل، منها: تراكم الخبرات الانتخابية لدى الحزب، قدرته على التواصل مع الجمهور، وقراءته الجيدة للميدان ومراكز الاقتراع، خاصة في المناطق النائية. كما كان لموقفهم السياسي من القضية الفلسطينية ودعمهم للمقاومة أثر كبير، حيث يمثل هذا الموقف شريحة واسعة من الشعب الأردني الذي يشعر بمخاطر الأطماع الصهيونية.
وفيما يتعلق بتأثير نتائج الانتخابات على المشهد السياسي في الأردن، أشار بدارين إلى أن هذه النتائج ستحدث تغييرات كبيرة في المرحلة المقبلة. كما ستؤسس هذه النتائج لحالة جديدة من وجود الحكومة ضمن مسار التحديث، وقد نشهد حكومة ظل لأول مرة في الأردن.
وأكد أن التيار الإسلامي مؤهل للعب هذا الدور، وهو ما يمثل إضافة نوعية في العمل التشريعي والرقابي في المرحلة المقبلة.
البرلمان الحالي يعكس توجهات المواطن الأردني بصفة عامة، ومن الضروري الامتنان للقرار السياسي الملكي الذي ضمن وجود انتخابات نزيهة طالما طالب بها الجمهور لسنوات طويلة.
الخلاصة: تباين في الآراء .. والبرلمان هو “الحكم”
تباينت الآراء حول نتائج الانتخابات البرلمانية والتي تمخض عنها حصول الإخوان المسلمين على النسبة الأعلى من الأصوات، فهناك من يرى أن الحزب استطاع من خلال برنامجه الانتخابي التوافق مع هموم المواطن وقضاياه، فيما يرى آخرون أن الحزب استثمر في الأحداث الجارية ووظفها لصالحه.
وفي هذا السياق، أفاد مركز “حياة – راصد” لمراقبة الانتخابات البرلمانية أنه من بين 130 نائباً في المجلس النيابي السابق، تمكن 30 نائباً فقط من العودة إلى المجلس الحالي، مما يعكس رغبة المواطنين في إحداث تغييرات جذرية تحت قبة البرلمان.
وسط هذه المعطيات، يبقى البرلمان هو الفيصل في اختبار مصداقية الشعارات والبرامج التي رُفعت خلال فترة الانتخابات، فإما أن ينجح الحزب في ترجمة برنامجه الانتخابي على أرض الواقع، أو يخسر الرهان الذي وضع نفسه فيه.
اكتشاف المزيد من نخبة بوست
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.