في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة التي تشهدها المملكة، أظهرت الأرقام الصادرة عن جمعية البنوك ضمن تقرير الأداء المقارن لعامي 2022 و2023 تحولاً ملحوظاً في مشهد القروض الممنوحة من البنوك، حيث شهدت القروض السكنية انخفاضاً كبيراً بنسبة 17.6%، كما تراجعت القروض الشخصية بشكل ملحوظ بنسبة 32.7%، بينما ارتفعت قروض السيارات بنسبة 16.5%..
يعكس هذا التباين في الأرقام التغيرات في أولويات الأفراد والضغوط الاقتصادية التي تؤثر على قراراتهم التمويلية، وتوضح البيانات أيضاً الفجوة بين الجنسين في الاقتراض، حيث شكّل الذكور 77.7% من إجمالي المقترضين.
قندح: تغير أولويات الاستهلاك انعكس على غايات القروض
وفي هذا السياق؛ سلط مدير عام جمعية البنوك الأسبق د. عدلي قندح، الضوء على الدلالات الاقتصادية والاجتماعية، مبيّناً أسباب انخفاض القروض السكنية والشخصية وارتفاع قروض السيارات.
وأوضح قندح أن السبب الأول يتمثل في تغير أولويات الاستهلاك، حيث تعكس زيادة قروض السيارات مقارنة بالقروض السكنية والشخصية تحولاً في أولويات الأفراد نحو تملك السيارات كضرورة أساسية للتنقل والعمل، خصوصاً في ظل تحديات البنية التحتية للنقل العام، أما السبب الثاني فيكمن في انخفاض القدرة الشرائية للأفراد.
وأشار قندح إلى أن تراجع القروض السكنية والشخصية قد يكون مؤشراً على انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين أو ترددهم في تحمل التزامات مالية طويلة الأمد مثل شراء العقارات؛ مشيراً إلى أن شراء السيارة يمكن اعتباره استثماراً أقل تعقيداً وأسرع في تحقيق نتائج مباشرة مقارنة بامتلاك منزل.
السبب الثالث يعود إلى تزايد العمل في قطاع النقل التشاركي (مثل سيارات الأجرة وتطبيقات التوصيل) كوسيلة لدخل إضافي أو رئيسي.
وأوضح قندح أن السبب الرابع يرتبط بالمدة الزمنية للقروض، حيث يعكس تراجع القروض السكنية تخوف الأفراد من الالتزامات طويلة الأجل نظراً لعدم وضوح الرؤية الاقتصادية والتحديات مثل التضخم أو البطالة المرتفعة. أما قروض السيارات فتمثل التزاماً زمنياً أقل ويمكن التحكم فيه بشكل أكبر.
ولفت قندح إلى أن تراجع قدرة الأفراد على تحمل تكاليف السكن جعلهم أقل قدرة على تحمل الالتزامات المالية المرتبطة بالقروض العقارية، مما أدى إلى تراجع الطلب على هذه القروض.
وأكد أن التسهيلات المصرفية والشروط المغرية التي تقدمها البنوك على قروض السيارات مقارنة بالقروض الأخرى جعلتها أكثر جاذبية للعملاء، وقد تكون شروط السداد أسهل أو تتطلب ضمانات أقل. كما أشار إلى أن الانتعاش الجزئي في بعض القطاعات، مثل قطاع النقل، شهد تحسناً ملحوظاً، مما زاد الطلب على السيارات سواء للاستخدام الشخصي أو التجاري.
دية: السيارات الملاذ الآمن ومصدر إضافي للدخل
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي منير دية أن قروض السيارات هي الوحيدة التي ارتفعت في عام 2023 مقارنة بعام 2022، حيث بلغت قيمة القروض المقدمة من البنوك المحلية للأفراد 718 مليون دينار عن عام 2023، بينما كانت 616 مليون دينار في العام السابق، أي أن نسبة الارتفاع بلغت 16.5%.
أما القروض الشخصية فقد انخفضت بنسبة 32.7%، إذ قُدّرت قيمتها في عام 2022 بمليار و700 مليون دينار، ووصلت في عام 2023 إلى 1.15 مليار دينار، فيما انخفضت القروض السكنية للأفراد بنسبة 17.6%، حيث كانت قيمتها في عام 2022 مليار دينار، بينما تراجعت إلى 176 مليون دينار في عام 2023.
وأرجع دية العوامل المؤدية لارتفاع قروض السيارات، رغم ارتفاع أسعار الفائدة 11 مرة خلال عامي 2022 و2023، إلى ارتباط السياسة النقدية الأردنية المتشددة بالبنك المركزي الأميركي وربط الدينار بالدولار، إضافة إلى تراجع مستويات الدخل وعدم قدرة الأفراد على توفير الاحتياجات الأساسية.
وأضاف دية أن السيارات باتت تشكل ملاذاً آمناً ومصدراً إضافياً للدخل للموظفين والأفراد العاطلين عن العمل.
وفي هذا السياق، أوضح أن تأمين السكن وشراء الشقق أصبح صعباً بسبب ارتفاع الفائدة وقيمة الأقساط العالية التي قد تثقل كاهل الموظف نتيجة ثبات الرواتب وتراجع الدخل.
وأشار إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة كان له أثر سلبي كبير على تراجع أداء معظم القطاعات الاقتصادية، مما يتطلب اتخاذ البنك المركزي إجراءات احترازية. كما توقع دية احتمالية خفض الفائدة من قِبل البنك الفيدرالي الأمريكي في اجتماعه المقبل، مما قد ينعكس إيجاباً على تخفيض سعر الفائدة محلياً.
ووفقاً لدية، فإن هذه الإجراءات قد تساعد في تحريك عجلة الاقتصاد وزيادة الطلب مجدداً، سواء على القروض السكنية أو القروض الشخصية، وتضخ المزيد من السيولة في القطاعات المتضررة، وخاصة القطاع العقاري.
وأشار دية إلى التهافت على شراء السيارات الكهربائية، حيث بلغت قيمتها مليار دولار خلال عام 2023، لغرض استخدامها في التطبيقات المختلفة، مما يعكس حجم الإنفاق الكبير على شراء السيارات.
ولكنه حذر من أن أي تعديل في القوانين المرتبطة بالعمل الافتراضي للسيارات أو التطبيقات قد يحمل مخاطر كبيرة ويشكل عبئاً على المستهلكين.
الخلاصة
ارتفاع قروض السيارات يعكس تحولاً في سلوك المستهلكين نحو تملك السيارات كوسيلة أساسية للتنقل والعمل، بينما تعكس انخفاضات القروض السكنية والشخصية تردد الأفراد في الالتزام المالي طويل الأجل بسبب عدم اليقين الاقتصادي.
اكتشاف المزيد من نخبة بوست
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.