* تسلك النخب السياسية القائمة استراتيجية تقوم على إدارة انتخابات وديموقراطية صحيحة من الناحية القانونية، لكنها ديموقراطية تستبعد فرص الطبقة الوسطى في التأثير
* الجزء الأصعب من الإصلاح المفترض أن تحققه الانتخابات؛ هو نشوء طبقة جديدة من القادة والنخب مرتبطة بالإصلاح وليس بالفساد
* جماعة “المثلث المقلوب” يغلفون أفكارهم وبرامجهم بحشد ديني وجهوي ومقاوماتي (متوهّم) ويعدون الناخبين بالأجر والثواب عند الله
* من المرجح أن يعكس “الصوت الثاني” إلى حدّ كبير الاتجاهات والمصالح التي يؤيدها الناخب أو تمثل مصالحه ومشاعره وأفكاره الوطنية والأيديولوجية
* وصلت الحياة السياسية والعامة في الأردن إلى إغلاق الفضاء العمومي أمام الطبقات الوسطى وفي الوقت نفسه إغلاق الإصلاح الحكومي والبيروقراطي المفترض أنه بديل أو داعم للفضاء العمومي
* المشكلة الأخرى للنخب المهيمنة والتي كانت مهيمنة؛ أنها منفصلة عن الواقع وغير قادرة على تصور حجم الوعي الجديد، ولا هي قادرة أيضاً على ادراك مدى قوة السأم والطاقة الهائلة والخطيرة الصادرة عنه
* الإصلاح الاجتماعي في جوهره هو طبقة تحل محل طبقة أخرى، إنه تبادل صعب ومؤلم للتأثير والنفوذ
نخبة بوست – إبراهيم الغرايبة
يرجح أن التصويت للقوائم الوطنية سوف يعكس الاتجاهات الوطنية والأيديولوجية العامة في الأردن كما يعكس أيضا اتجاهات ومصالح الطبقات وخاصة الطبقات الوسطى. وبما أن التصويت للقوائم الوطنية سوف يكون صوتا ثانيا بالإضافة إلى التصويت لقوائم المحافظات أو الدوائر الانتخابية، فإنه صوت (الثاني) سوف يعكس إلى حدّ كبير الاتجاهات والمصالح التي يؤيدها الناخب أو تمثل مصالحه ومشاعره وأفكاره الوطنية والأيديولوجية.
بالتأكيد هناك فئة من الناخبين سوف تصوت للقوائم الوطنية على أسس عشائرية وجهوية، لكن يتوقع أن النسبة الغالبة من ناخبي القوائم الوطنية يؤشرون على اتجاهات وأفكار وطنية وايديولوجية يمكن تقديرها ووزنها بعد ظهور نتائج الانتخابات.
من هم ناخبوا القوائم الوطنية ؟
يمكن القول إن الاتجاهات العامة التي تعكسها القوائم الوطنية، هي:
1- تيارات وأحزاب وطنية؛ هي وإن كان يجمعها عنوان الوطنية فإنها تعكس اتجاهات ومصالح متعددة، مثل مؤسسات الدولة والشخصيات والنخب السياسية المؤثرة أو النافذة، أو فئات ونخب اجتماعية تسعى للحصول على نصيب في العملية السياسية و أو تمثيل قواعدها الاجتماعية التي تأمل أن تساعدها الانتخابات والمكاسب النيابية على أن تكون جزءا من مؤسسات الدولة ومصالحها.
2- برامج وأفكار وتيارات وطنية مستمدة من أيديولوجيات ليبرالية أو ليبرالية اجتماعية أو يسارية ركزت أساسا على الإصلاح المؤسسي ومواجهة الفساد
3- المستبعدون (يشعرون أنهم مستبعدون) من التوزيع السياسي برغم أنهم ليسوا معارضين سياسيين.
4- جماعة المثلث المقلوب (!) وهم مزيح من الفئات الثلاث السابقة يغلفون أفكارهم وبرامجهم بحشد ديني وجهوي ومقاومتي (متوهم) ويعدون الناخبين بالأجر والثواب عند الله.
5- الطبقات الوسطى والمهن والمصالح التي تملك وعيا ما بوجودها ومصالحها وتراثها. وتحاول تحقيق مكاسب عامة أو طبقية من خلال الانتخابات.
الحال أن الإصلاح عمليا هو وعي الطبقة الوسطى لما تحب أن تكون عليه، وارتباط تحقيق وعيها بضرورة الارتقاء بأداء الحكومة والسوق والمجتمعات وتنظيم علاقاتها معاً، ويفترض بتعا لذلك أن الطبقة الوسطى تقود عمليات الشراكة بين السلطة والمجتمع والشركات وتنظم العلاقات بينها، وتنشئ القيم الأساسية المشكلة للمدن والمهن والقوانين والتشريعات، والأخلاق العمومية المؤطرة للعمل السياسي والمهني، بمعنى أن يتحول الإصلاح والتقدم إلى مصلحة أساسية لطبقة واسعة في المجتمع ممتدة فيه وتتشابك مصالحها وأعمالها مع كل الطبقات والمؤسسات.
الطبقة الوسطى (يفترض) أن تقود عمليات الشراكة هذه بين السلطة والمجتمع والشركات وتنظم العلاقات بينها، وتنشئ القيم الأساسية المشكلة للمدن والمهن والقوانين والتشريعات، بمعنى أن يتحول الإصلاح والتقدم إلى مصلحة أساسية لطبقة واسعة في المجتمع ممتدة فيه وتتشابك مصالحها وأعمالها مع كل الطبقات والمؤسسات، وهكذا ببساطة لا يمكن النظر بجدية إلى إصلاح ممكن أو متوقع لا تنخرط فيه الطبقة الوسطى.
ربما يكون هذا هو الشرط الغائب اليوم في العملية السياسية والثقافية في الأردن. لماذا تغيب الطبقة الوسطى عن العملية الإصلاحية؟ لماذا تبدو مستبعدة أو غير معنية بالأحداث والتفاعلات السياسية الجارية؟ لقد وصلت الحياة السياسية والعامة في الأردن إلى إغلاق الفضاء العمومي أمام الطبقات الوسطى وفي الوقت نفسه إغلاق الإصلاح الحكومي والبيروقراطي المفترض أنه بديل أو داعم للفضاء العمومي.
ربما يفسر ذلك لماذا لم تنشئ الانتخابات النيابية والعامة التي تجري منذ قيام الدولة الحديثة والأحزاب والجمعيات والأفكار السياسية والإيديولوجية الراسخة منذ عقود طويلة ديموقراطية حقيقية وحياة سياسية وثقافية متقدمة!
ذلك أن النخب السياسية القائمة تسلك في استراتيجية تقوم على إدارة انتخابات وديموقراطية صحيحة من الناحية القانونية، لكنها ديموقراطية تستبعد فرص الطبقة الوسطى في التأثير.
الإصلاح يبدأ بمراجعة الرواية المنشئة للأزمة، وهي متصلة بالاعتساف والافتعال في تنظيم وإعادة توزيع التأثير والموارد، وفي صياغة المجتمعات والمؤسسات الوطنية والمدن والأسواق على نحو يؤدي حتماً إلى الأزمة، وأخيراً بسبب الخلل الكبير في إدارة وتوزيع العبء الضريبي وقدرة المجتمعات والطبقات الوسطى على إسماع صوتها والمشاركة في التخطيط والقرار. كيف تكون المجتمعات شريكاً في الموارد والتنمية والمسؤولية؟ كيف توضع السوق في مكانها الصحيح المنشئ للتقدم؟ كيف تتشكل القيادات الاجتماعية والاقتصادية على نحو تفاعلي وتنافسي طبيعي وعادل؟
الجزء الأصعب من الإصلاح (المفترض أن تحققه الانتخابات) هو نشوء طبقة جديدة من القادة والنخب مرتبطة بالإصلاح وليس بالفساد، وأصعب من ذلك كله أن الإصلاح الاجتماعي في جوهره هو طبقة تحل محل طبقة أخرى، إنه تبادل صعب ومؤلم للتأثير والنفوذ. يجب أن نعترف أن الإصلاح لن يكون إلا محصلة لصراع اجتماعي وسياسي معقد وطويل.
تبدو الطبقة الوسطى اليوم بأحلامها المفترضة مزعجة، كأنها يجب ألا تكون موجودة، هي عدوّ للنخب المتصارعة؛ لأنها موجودة، مأزق الطبقة الوسطى أنها موجودة، ولا يستطيع أصحاب الطريق الثالث المتلهفين للخروج من أوليغارشية نخبوية تحسب نفسها علمانية ويخشون من الوقوع تحت نير دكتاتورية دينية واجتماعية جديدة أن يكونوا غير موجودين!
بالطبع، فإن الطبقة الوسطى تتحمل مسؤولية كبرى في تنظيم نفسها حول أولوياتها وفي إنشاء منظومة سياسية واجتماعية تجعل الجدل حول التقدم والتنمية، وإعادة العقد الاجتماعي المنظم للعلاقة بين الدولة والسوق والمجتمع على أسس جديدة لا مكان فيه لأيديولوجيات عالمية أو مستقلة عن الأوطان والطبقات والمصالح، الأيديولوجيا المطلوبة للطبقات الوسطى والنقابات المهنية والعمالية تقوم على حرية الناس وولايتهم على الموارد وتنظيمها، على أساس عادل وصحيح، وأن تفهم الأزمة كما هي بوضوح، أزمة الطبقة المهيمنة منذ قيام الدولة الحديثة، والتي لا يعني الإصلاح بالنسبة اليها وإلينا بالطبع سوى التنازل عن 90 في المئة من مكتسباتها، صحيح أنها مكتسبات تحولت إلى منظومة اقتصادية واجتماعية مكرّسة، وأنها ستدفع إلى العراء والفقر فئات نشأت في هذه المنظومة وكأن ذلك هو الأصل والصواب.
المشكلة الأخرى للنخب المهيمنة والتي كانت مهيمنة أنها منفصلة عن الواقع وغير قادرة على تصور حجم الوعي الجديد؛ ولا هي قادرة أيضاً على ادراك مدى قوة السأم والطاقة الهائلة والخطيرة الصادرة عنه، سأم المجتمعات والطبقات وأصحاب المهن والأعمال والجامعيين والمتعولمين، والمتطلعين الى الحرية والكرامة. إنه سأم جارف وأخشى أن يتحول في ظل عدم مبادرة هذه الطبقات التي لا تجد نفسها لدى أي من الطرفين إلى تنظيم نفسها خارج الصراع ومحاولة التفاهم مع جميع الفئات ليكون لها مكان من دون إزاحة الآخرين أو القضاء عليهم؛ إلى فوضى جارفة تأخذ كل شيء في طريقها إلى المغامرة والمجهول.
اكتشاف المزيد من نخبة بوست
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.