تقديرات إستراتيجية .. الجزء الأول : كيف ستنتهي الحرب في غزة ؟
العبادي : الحرب في غزة لن تنتهي إلا في اطار “صفقة”
نخبة بوست – د. ابراهيم عيسى العبادي (خبير الشؤون الاستراتيجية والأمنية )
تدخل حرب غزة شهرها العاشر في ظل نتائج أربكت كافة الحسابات السياسية والأمنية إقليمياً ودولياً، وحولت منطقة الشرق الأوسط إلى بركان قابل للانفجار في أي لحظة، مما زاد من مؤشرات حالة عدم الاستقرار في المنطقة إلى مستوى غير مسبوق.
هذا يعني أن الحالة الأمنية المتأزمة القادمة هي السائدة، وأن مؤشرات التهديدات المباشرة وغير المباشرة بسبب هذه الحرب ستكون مرتفعة ومتفاقمة إلى حد كبير.
ترتكب إسرائيل اليوم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وكلما اقتربت مسارات التفاوض للوصول إلى هدنة ووقف للحرب، تزيد من ارتكاب المجازر وتستهدف بشكل مباشر مخيمات اللجوء والنزوح داخل القطاع.
وعلى الرغم من التنديد الدولي والإقليمي من مشاهد القصف الإسرائيلي العنيف والمدمر على القطاع واستخدام إسرائيل ما يعرف بـ “استراتيجية التدمير الممنهج”، إضافة إلى القرارات والمحاولات الدولية والإقليمية لإيقاف الحرب، إلا أن إسرائيل لم تلتزم بأي قرار، كما لم يسعف حتى الوضع الإنساني الكارثي والضغوطات الدولية، وخاصة بعد أن حولت إسرائيل قطاع غزة إلى مكان غير صالح للحياة.
حرب غزة .. أربكت اسرائيل وكبدتها خسائر فادحة
تسببت العشرة أشهر من الحرب إلى دمار كبير في قطاع غزة، إذ تم تدمير ما يقارب 60% من القطاع تدميراً كاملاً، وأجبرت 80% من سكان القطاع على النزوح إلى مدينة رفح ذات الـ60 كيلومتر مربع، وتسببت بكارثة إنسانية كبرى حيث انعدم مؤشر الأمن الغذائي بنسبة 100% حسب تقارير الأمم المتحدة.
وفي الجانب الآخر، وعلى الرغم من حجم الخسائر التي تعرضت لها إسرائيل عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، حيث أخرجت الحرب ما لا يقل عن 10 آلاف جندي إسرائيلي بين قتيل وجريح، وما لا يقل عن ألف آلية عسكرية بين تدمير وعطب، تجاوزت تكلفة الحرب 150 مليار دولار، وأجبرت مليون إسرائيلي على مغادرة إسرائيل نهائياً باتجاه واحد، ودفعت أكثر من 70 ألف مستوطن في مستوطنات غلاف غزة إلى مغادرتها ورفض العودة إليها، ويقابلهم أيضاً 85 ألف مستوطن من مستوطنات الجليل الأعلى.
بالإضافة إلى الخسارة الاقتصادية، تحولت وضعها في العالم إلى حالة مأزومة، وخاصة بعد زيادة الاحتجاجات الشعبية العالمية، ومع ذلك لم تتوقف الحرب.
هدف القضاء على حماس “لا يمكن تحقيقه”، فبعد عشرة أشهر ما زالت الحركة موجودة ولديها القدرة على الصمود، حيث وزعت جهدها العسكري طوال الأشهر الماضية، وتدرك أن الحرب ستطول لفترة طويلة، ويبدو أنها أعدت نفسها جيداً لذلك دون أخذ الوضع الإنساني بعين الاعتبار في إطار الاستعداد للحرب الطويلة.
وبالتالي، نهاية الحرب ستكون في إطار “صفقة” لأن إسرائيل أيضاً لن تستطيع تحرير الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، كما أن استعادتهم لن تتم إلا في إطار صفقة كبيرة.
ترجيح استمرار الحرب حتى تشرين ثاني المقبل
على صعيد متصل، من المرجح أن تستمر الحرب حتى تشرين الثاني المقبل، لكن بوتيرة منخفضة نسبياً وعلى نطاق أضيق، تقوم على عمليات محددة من خلال معلومات استخباراتية هدفها الاغتيالات لقادة حركة حماس داخل وخارج القطاع.
وبالتالي، لا يمكن القول بأن نهاية الحرب تلوح في الأفق، إلا أن إسرائيل ستستمر في الحرب لأربعة أشهر أخرى بحجة تحقيق الهدف المعلن وهو تدمير قدرات المقاومة العسكرية.
لهذا، فإن حكومة الحرب الإسرائيلية ترفض الحديث عن أي شكل من أشكال انتهاء العمليات العسكرية في القطاع، كما يرفضون دوماً أي مناقشة لليوم التالي لانتهاء الحرب، وعندما نتحدث عن أول يوم بعد الحرب، فإن جميع الأطراف ليس لديها خطة لما بعد الحرب وكيفية التعامل مع مستقبل القطاع.
وعند الحديث عن الوضع النهائي للحرب، فإن هذا يتطلب أربعة عناصر جديدة: غزة جديدة، حماس جديدة، سلطة وطنية فلسطينية جديدة، وإسرائيل جديدة. وبالتالي، فإن الحديث عن نهاية الحرب لا يتم إلا في إطار صفقة بين هذه الأطراف الجديدة، وعلى حساب إحداها.